للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الساعة، فقال له المسلم: أنا أقتل فأصير إلى الجنة، ومن بقي من المسلمين يظهر عليكم.

ولما نزل الملك رستم القادسية، أرسل إلى سعد أن أرسل إليّ من يبلغني عنك ويبلغك عني، فأرسل إليه رجلا واحدا، فجلس له على سريره، وأحدق به جنوده وهو في عشرين ومائة ألف/ في خيول وفيلة وشدة وبأس. فقال رستم للمسلم: قل لي ما جئتم تطلبون- وظن رستم أن المسلمين سيرهبون لما يرون من جنوده- فقال له المسلم: إنك لا تسمع مني أو تنزل إليّ أو أصعد إليك، فهاله ذلك منه وهو رجل واحد، فلما صار معه وصف له الإسلام ورغبه فيه، فقال له رستم: مثلكم معشر العرب مع فارس مثل رجل كان له كرم فدخلته الثعالب فتغافل عنها فطمعت فيه، فسدّ عليها المثاغب ثم قتلها عن آخرها، «١» وكذا يكون أمركم معنا، وذكر من كان يولونه على العرب وغلبتهم لهم، ثم قال: هاتوا يا أشقياء جمالكم هذه نوقرها لكم تمرا وبرّا ونكسوكم فإنكم عراة وترجعون، فهو خير لكم، فإنه لا طاقة لكم بالملوك، وخاصة ملك فارس. فقال له المسلم مثل قول أصحابه من حال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكيف كان ابتداؤها وما وعد به، فانصرف.

ثم عاود رستم سعدا فيمن يرسله إليه، فأرسل إليه رجلا واحدا، وكان رث الهيئة واللبسة والسلاح، فسأله رستم عما جئتم له، فوصف له مثل ما وصف أصحابه، وقال مثل ما قالوا، فسأله رستم عن الاسلام، فوصف أصوله وحدوده- والترجمان يترجم عنه- فأقبل رستم على من حوله من الملوك والقواد والوزراء والأساورة، فقال: ألا ترون إلى حسن ما يصف من هذا الدين، وإلى هؤلاء كيف لا يختلف قولهم مع كثرتهم، فقالوا له: نعيذك بالله


(١) الثغب هو الأخدود تحتفره المسايل من عل، فإذا أنحطت حفرت أمثال القبور والدبار.