للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيها الملك أن تستحسن دين هؤلاء، أما ترى عريهم ووسخهم ورثاثة سلاحهم ولباسهم، فقال لهم رستم: أنتم قوم عنيتم بالملابس والماكل والمشارب وعنوا بالأحساب، انظروا إلى عقولهم وبصائرهم وصبرهم. وجرى له معهم أكثر مما جرى لهم مع الملك الكبير يزدجرد مما يطول/ شرحه.

وهم يذكرون هذا الوعد مع كثرتهم، ولا يختلف قولهم، وكانت الملوك تمتحنهم بمثل هذا لينظروا هل يختلف قولهم، وهل هناك زلة أو هفوة لصاحبهم فتظهر من بعضهم على طول المدة، أو تميل بهم الرغبة إلى عاجل الدنيا مع تعجل السلامة، وهل يهو لهم ما يرون من العتاد والعدة وما يسمعونه من التهديد بالقتل، فما وجدوا عندهم شيئا من ذلك، وكانت قرة أعينهم بما آتاهم الله من البصيرة في دينهم، كما قد قال سليمان عليه السلام: «فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ» «١» .

ولقد كتب أمير المؤمنين عمر إلى سعد: سرت في العرب ونزلت على الفرس، ما تنتظر؟ ناجز القوم. فكتب إليه سعد يذكر له عدد فارس وبأسها وشدتها وعتادها وعدتها، وضعف من معه وقلتهم ورثاثة سلاحهم، فكتب إليه عمر: بهذا وعدنا، قال الله: «سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ» «٢» فاشكر الله يا سعد أن سمعته بأذنك، ورأيته بعينك، وباشرته بيدك.

وكم كان للمسلمين مثل ذلك مع ملوك الروم بحمص ودمشق وأنطاكية ومصر وغيرها، وما كانت الرسل تقوله لهم عند المجادلة أن نبينا قد وعدنا بظهور دينه على الأديان، وأنه قد أخبرنا وأنذرنا وبشرنا بأمور كثيرة فما


(١) النمل ٣٦
(٢) الفتح ١٦