أخلفنا في شيء قط، وما جرى لهم معهم يطول شرحه، وهو مذكور في مواضعه، وإنما ذكرنا هذا القول لأن من قطعته هذه الآيات فتحيرّ فلم يجد متعلقا فأخذ يقول فيها عند صحتها: هذه المواعيد لم تكن في أول الأمر، وإنما يقال هذا فيمن أخلف مواعيده وظهر كذبه في شيء بعد شيء، فأما من مكث ثلاثين سنة يخبر بما في هذا القرآن، ثم ينحو مثله من الأخبار، فلم يخلف في شيء منه، كيف يقال/ فيه «١» مثل هذا، ولو كان قد قال هذا القول قبل موته بساعة لما خرج من أن يكون آية ودلالة على نبوته وأنه شيء قد انتقضت العادة به، فإنه صلّى الله عليه وسلم ما خلف بيوت الأموال ولا مروج الكراع ولا خزائن السلاح، بل مات فقيرا، ومرض وعنده سبعة دنانير، فقال: ما كان يقول محمد لربه لو لقيه وهذه عنده، فقسمها وتصدق بها.
وقد حمى نفسه ونساءه وأهله وولده عن الدنيا كما هو معروف، وما خلف في أصحابه وعليهم إلا البصائر فقط، وقد ارتدت العرب بعده إلا ومسجدين: مكة والمدينة، فنهض أصحابه بالأمر وليس معهم إلا التقوى والبصائر، وإنما يقول مثل هذا من لا يعرف الفرس والروم وقديمها وشدة بأسها وحزمها وضبطها ويسرها وكثرة جنودها وتقادم الملك فيها وضنّها بملكها. وحال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسيرته وما خلفه، وكيف كانت حال العرب في المهانة الضعف والقلة عند ملوك الفرس والروم والهند وغيرهم، وشرح ذلك يطول.
فما غلبت العرب إلا بالتقوى ولا عزت إلا بالاسلام. ولقد كانت الفرس تنفذ إلى جزيرة العرب فيما يكرهونه بالرجل الواحد وبالنفر اليسير. وكذا الروم فينفذ أمرهم، ولهذا مزق كسرى أبرويز كتاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم ووجّه باثنين في إشخاصه إليه. فأما عند الحرب فما كانوا ينفذون إلى الجمع الكبير من العرب إلا بالنفر اليسير، ولقد عجبت العجم والعرب من انكسار السريّة