للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين أنفذهم كسرى بسبب النعمان بن المنذر يوم ذي قار، حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلم «هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا» .

ثم عاد الأمر الى خلاف ذلك، فكان النفر من أصحاب/ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلقون الجمع الكثير فينصرون عليهم، حتى كان الرجل وحده يسير إلى بلد من بلدانهم فيأخذه مع رثاثة سلاحهم وقلة عتادهم وعدتهم، ولقد قال أبو أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في زمن بني أمية وقد رأى لهم رايات وتهويلات:

ما تصنعون بهذا ثكلتكم أمهاتكم؟ والله لقد أخذ هذا الملك الذي في أيديكم رجال ما كان لسيوفهم قباع، والله ما كانت مجانّهم الإبرادع جمالهم.

وكان عمر أمير المؤمنين كثيرا [ما] «١» يقوم في الصحابة خطيبا، فيذكر لهم ما كانت فيه العرب من القلة والذلة والفقر والشقاء وشدة العيش واستطالة الأمم عليها، ثم إلى أي شيء آل أمرها اليه برسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويقول: إنما أقول هذا لكم لأني سمعت الله يقول لموسى: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» «٢» ، ويأمرهم بلزوم طاعة الله، فبها غلبوا الأمم وقهروا الملوك، حتى صار ملكهم أعز من كل ملك في الأرض، ودينهم أظهر الأديان وأهيبها وأجلها، وأنهم ما لزموا ذلك لا يزالون ظاهرين قاهرين.

وكانت ملوك الفرس والروم تعجب من انهزام عساكرها الخشنة المعدة القوية الشديدة من بين أيدي المسلمين، مع قلتهم وضعفهم وقلة آلتهم وسلاحهم، حتى لقد قال رستم الملك لما عبر العتيق لحرب سعد بالقادسية:

أين عسكر هؤلاء الكلاب، فقيل له: أشخص بصرك إلى هذه الجهة تره، فقال لما أشخص بصره: قال: أرى سوادا فأين هو من السواد، فقيل له:

هو السواد، فعجب وقال: وهذا هو كله، قالوا: نعم، قال: وقد بذلنا


(١) زيادة مني اقتضاها سياق الكلام
(٢) ابراهيم ٥