ما عنده، هذا مع الملك القاهر والتستر بالاسلام، فتأمل ما في هذا.
ولقد ضاقت قريش ذرعا بما يسمعونه منه صلّى الله عليه وسلم ليلا ونهارا، ويتربصون به الموت فلا يموت، ويرومون قتله مع وحدته فلا يتم. فأجمع رأيهم على هجرته وهجرة الأدنين من بني هاشم، مؤمنهم وكافرهم، إلا من جرّد في قصده مثل تجريدهم، وترك مبايعتهم ومناكحتهم، ومنعهم من ابتياع ما يؤكل ويشرب، والتضييق عليهم والإساءة إليهم، وحصرهم في شعب من شعاب مكة، حتى يقتلوا محمدا أو يسلموه اليهم حتى يقتلوه أو يمثلوا به. وتحالفوا على ذلك، وكتبوه في صحيفة علقت في بيت الله الحرام بمكة. فمكث صلّى الله عليه وسلم ومن معه من أهله في ذلك الشعب أربع سنين متواليات في الحصار الشديد، لا يدخل إليهم ما يتقوتونه إلا بالحيلة والمسارقة، ولا يقدر أن يخرج منهم إنسان في حاجة إلا عن غفلة من المشركين أو ليلا.
وقد شملهم الخوف فلا يأمنون إلا من موسم إلى موسم، وأهله/ يتضرعون إليه بأن يلين لقومه من قريش و، يمسك عن عيب آلهتهم، أو يرجع عن تضليل آبائهم، ويخوفونه فلا يلين، ولا يزداد إلا شدة وصرامة. ثم أخبرهم بعد أربع سنين: أن ربي أوحى إليّ أني قد سلطت الأرضة على الصحيفة التي كتبها المشركون فأكلت كل موضع منها فيه ذكر عقوق أو قطيعة وتركت ما سوى ذلك، فقال له عمه أبو طالب وكان كافرا مقيما على دين قريش: يا ابن أخي، انظر ما تقول، فإني لست آمن إن لم يكن الأمر حقا أن يشتد علينا قومنا ويزيد أذاهم لنا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما قلت لك إلا حقا، فامض لشأنك.
فنزل أبو طالب وقريش في أنديتها، فلما رأوه قالوا له: نرجو أن تكون يا أبا طالب جئت لصلاح وخير، وأن يكون ابن أخيك قد أقصر عن شأنه وما نكره من أمره، قال أبو طالب: للخير والصلاح جئت. فلما استقر به مجلسه