وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ» «١» وقد كان صلّى الله عليه وسلم قال للجد بن قيس: هل لك في جلاد بني الأصفر. يعني الروم. فقال هو وغيره:
بل تأذن لنا فنقيم ونتخلف ولا تفتنا فتغلظ المحنة علينا بأمرك إيانا بالخروج وترك إعفائنا منه، فلعل ذلك أن يثقل علينا فنخالف أمرك فيه.
فقال الله:«أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا» أي فيما ذكروا أنهم يحذرونه من المعصية والخلاف سقطوا، والنار من ورائهم محيطة بهم على أفعالهم ونفاقهم وقعودهم عنك.
ثم قال:«قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ» وليس من تدبير عقلاء البشر أن يقول لمن أظهر طاعته وأنفق فيها ماله وبذل فيها مهجته: / إن هذا لا ينفعك ولا يقبل منك ثم قال: «وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ» وهذا من ذلك الجنس في المكاشفة ثم قال: «فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ»«١» ، فقد كان للجد بن قيس ولعبد الله ابن أبي وأضرابهما ممن نافق من الأوس والخزرج أموال ظاهرة ونعم وأولاد، وهم جماعة كثيرة، فأخبر الله نبيّه بسوء أحوالهم في الباطن وأن أموالهم وبال عليهم والله يعذبهم بها بما يكلفهم من إنفاقها، فهم ينفقون أموالهم ويكدّون أبدانهم ويقاتلون أولياءهم مع أعزائهم، وهذا من ذلك الجنس. وليس يريد كفرهم، وإنما يريد تعذيبهم بكفرهم في حال كفرهم، كما قد يقول الرجل لصاحبه: إنما أريد أن تعودني وأنا مريض، وإنما أريد أن تزورني وأنا محبوس،