للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشركون يدعونني إلى الشرك، فلم يراجعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فرجع كعب أحزن ما كان وأشده كربا، وقد أقام أياما في الفسطاط ينتظر التوبة وهو بالحمى فضاقت عليه برحبها، فرجع إلى سلع «١» فكان يقيم به بالنهار صائما ويأوى إلى داره بالليل، حتى نزلت التوبة له ولصاحبيه ورضي الله عنهم ورسول الله صلّى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة فقام من الليل فتوضأ واستن ثم قال لأم سلمة: الحمد لله الذي أنزل لإخواننا التوبة، فقالت: من هم يا رسول الله، فقال: كعب ابن مالك وصاحباه، فقالت أم سلمة: أفلا أبعث اليهم وأبشرهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أصبحي، فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصبح وانصرف، فاجتمع إليه المهاجرون والأنصار فقال لهم: قد تاب الله على إخوانكم الليلة، ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وسعى أبو بكر وعمر يبتدران كعبا ليبشراه، فسبق أحدهما صاحبه، فارتقى المسبوق على سلع فصاح: يا كعب بن مالك، أبشر بتوبة الله، فقد أنزل الله فيكم القرآن. وكعب جالس في مسجد قومه فسمع الصوت فوقع ساجدا يبكي سرورا بالتوبة واجتمعت اليه بنو سلمة رجالهم ونساؤهم يهنئونه بالتوبة، وأقبل كعب سريعا إلى رسول الله فبايعه واستغفر/ له وبشره بالتوبة التي نزلت فيه وفي أصحابه، وقرأ عليه: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ» إلى آخر القصة.

وهذا كعب بن مالك أحد الشعراء والسادة والبلغاء وكذلك صاحباه فمن السادة، وكانت هذه حالهم في تخلفهم وما امتحنوا به وما صدقوا به عن أنفسهم والإخبار عما في ضمائرهم، لتعلم حسن هذا التدبير وإدلال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة والبعد من كل ريبة ومن كل حيلة ومما جرى عليه


(١) لتفصيل حادثة الثلاثة الذين خلفوا ومنهم كعب رضي الله عنه انظر سيرة ابن هشام ٤: ٥٣١- ٥٣٧