للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرب معهم، فاجعل لنا يوما ولهم يوما. فهمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك ولم ير به بأسا، رجاء لإسلام هؤلاء وأنهم متبوعون مطاعون يسلم بإسلامهم الخلق الكثير، فأنزل الله: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» «١» وقد كان قوم من هؤلاء الرؤساء الذين قدمنا ذكرهم قالوا: يقدم هؤلاء العبيد والموالي والفقراء علينا، فأنزل الله: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «٢»

وفي هذا المعنى نزل قوله عز وجل: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً» «٣» .

فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذلك العزم ولم يفرد أولئك الرؤساء/ بمجلس يخصهم، وقدّم هؤلاء الفقراء والعبيد والموالي، فكانوا أقرب الناس اليه، ويجلس اليهم ما جلسوا، ولا يقوم عنهم حتى يقوموا. وقد كانوا عرفوا ذلك منه، وكانوا إذا أقبلوا يقول لهم: سلام عليكم مرحبا بكم، بأبي من عاتبني فيهم ربّي اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين. يريد المتواضعين للمسلمين.

فتأمل هذا التدبير، وكم كان من الرؤساء من قريش وغيرهم يبطئهم


(١) الأنعام ٥٢
(٢) الأنعام ٥٣- ٥٤
(٣) الكهف ٢٨