للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا تكذيبه ولا أضمروا إلا سقوطه واحتياله.

وهؤلاء قوم اتبعوه وهو وحيد فقير ذليل خائف مقهور مغلوب وأهل الارض يد واحدة في عداوته وعداوة أتباعه، فخرجوا باتباعه من الأمن إلى الخوف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن العزّ إلى الذل ومن الكرامة إلى الهوان ومن الراحة إلى النصب، ومن الأوطان إلى الغربة. وزعم ملحدة زمانك أنهم فعلوا نفاقا وأنهم كانوا منافقين فمن ينكر بعد هذا أعجوبة، أو ينفي عن الناس حماقة أو يحسن يأخذ ظنّا، وهل هذا إلا كقائل قال: إن محمدا نبيّ المسلمين كان ينافق قريشا والعرب تدافعهم وإن كان قد خرج معهم إلى تلك الأمور، وأنّ السحرة قد نافقوا فرعون وداهنوه في اتباعهم موسى/ وانصرافهم عنه ومكاشفتهم له حين قال لهم: «إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ» «١» و «فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى. قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى» «٢»

والأعجب من هذا، أنه صلّى الله عليه وسلم قد أوجب على العباد موالاة هؤلاء المهاجرين السابقين وفرض محبتهم وتعظيمهم وإجلالهم، وحرّم سوء الظن بهم إلا أن يظهر منهم كبيرة، كما أوجب معاداة اليهود والنصارى والمجوس وأمثالهم ومن سلك سبيلهم وفرض بغضهم إلا أن يظهر منهم الإيمان.

هذا معلوم من دينه صلّى الله عليه وسلم ودعوته غير ما قد ضمنه الله كتابه من مدح


(١) طه ٧١
(٢) طه ٧١- ٧٢