للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المهاجرين والأنصار وملأ القرآن به، وهذا كله خلاف ما يدعيه هؤلاء الذين غرّهم من لقنهم هذا، فإنه كاد بهذا الصنيع للإسلام والمسلمين من حيث لا يشعرون. وإنما أردنا ذكر حال أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أهل جيرته وبلده وأهل بيته من طبقات قريش مع الدهاء، وأنهم قد توكلوا لجميع أعدائه وكفوهم وزادوهم على الكفاية، فما وجدوا شيئا يكون لهم حجة أو شبه الحجة في إبطال أمره، فبطل كيدهم مع طول العناء وبار مكرهم كما قال الله:

«وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ» «١» .

وقد خرج صلّى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعا إلى الله وقال: أجيروني حتى أبلغ رسالة ربي ودعوا ما أنتم/ عليه فإن الله يسخط، وعاب دياناتهم وما كان عليه آباؤهم، وذم قريشا بما تأتيه من تكذيبه، فما كان عندهم في ردّه شيء إلا أن قالوا له: كيف اختارك الله من بين أهل مكة ومن بين الناس كلهم وهناك من الحكماء والعقلاء كفلان وفلان، وفي أهل الطائف فلان وفلان، وإذا كان الله قد اصطفاك فكيف أحوجك إلى نصرة الناس، إلى غير ذلك مما لقوه به من الجفاء وقد غاظهم وأغضبهم ما ذكره من قبح أديانهم وتضليل آبائهم.

فانظر هل يرجعون في تكذيبه إلى حجة أو ما يشبه الحجة، وهل يجدون مطعنا أو مغمزا مع حاجتهم إلى ذكر ذلك في هذه المواضع.

ومن هذا الجنس، لما أمر الله عز وجل رسوله بعرض نفسه على القبائل وهو أمر معروف، وقد ذكره الناس وتحدثوا به، وممن كان يتحدث به عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلم بعرض نفسه على القبائل، خرج وأنا معه وأبو بكر الصديق حتى دفعنا إلى مجلس «٢» من مجالس العرب


(١) فاطر ١٠
(٢) في الأصل مجالس، ولعل الصواب ما أثبتناه