للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوم «١» جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم وأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان سلمتهم اليهما، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. ثم أرسل اليهم فدعاهم اليه. ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا أجبتموه؟ فقالوا: نقول والله ما علمنا وأمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن. وكان عمرو بن العاص صديق النجاشي قديم المعرفة به والمهاداة له، وكان يرفعه في مجلسه ويكرمه الكرامة الكبيرة. فدخلوا عليه، وعمرو بن العاص عن يمينه؛ فلما بصر بهم من حول الملك قالوا لهم:

اسجدوا للملك، وكان الصحابة قد جعلوا أمرهم إلى جعفر بن أبي طالب ليكلم الملك عنهم. فقال جعفر: لا نسجد إلا لله وحده، فزبرهم من حول الملك فما سجدوا «٢» فقال لهم الملك: ما هذا الدين الذي فارقتم/ فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الملل، فقال له جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسبي الجواري، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام؛ فعدد عليه جعفر أمور الإسلام. ثم قال


(١) أكاد، من الكيد، وقوم على هذا الأساس منصوبة لأنها مفعول به
(٢) زبره: نهره وغلظ له بالقول اللسان، مادة زبر