للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينة؛ وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لأصحابه: أتاكم خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك؛ وكان جرير جميلا سيدا وسيما. فلما قدموا المدينة نزلوا منزلا ثم لبسوا أجمل ثيابهم وخرجوا، فلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وجلسوا اليه، وكلموه، وساءلوه عما يقول وما يدعي، وما يدعو اليه. فذكر ذلك وشرحه، وتلا القرآن، وبيّن لهم. فقال جرير: رضينا منك، وأسلم، وأسلم أصحابه ومن معه.

فتأمل ما في هذا، فإن بجيلة هي حي عظيم وقبائل كبيرة يجاورون مكة ما سمعوا باسم موسى فضلا على أن يعلموا هل أرسله الله بل لم يعلم جلهم وأكثرهم أن هناك من يدّعي له الرسالة والنبوة، وهذا قد يكون من قلة الطلب والمساءلة، ومن قبل عدم من يقصد الناس ويدعوهم إلى ذلك ويذكرهم به، ومن قبل غير ذلك مما يطول شرحه.

وقد كان أبو الحسن عليّ بن محمد بن بكر الاسفذاني صاحب أبي علي رضي الله عنهما «١» ، حج، وكان كثير الحج، فأسرته القرامطة مرة ثم أرسلوه، فحصل في البوادي، فأجرى ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يعرفوه، وقالوا: ما سمعنا به، فتعجب من ذلك. وهذا أبو الحسن كان كبيرا من فقهاء أصحاب أبي حنيفة، وكبيرا من أصحاب الحديث، غزير الرواية زاهدا، واعظا مجيدا، وكان خلا لأبي الحسن الكرخي رحمة الله عليهما، وكان يلقى جبابرة الملوك من البريديين/ والديلم بالموعظة، ويصدقهم ويعظهم، وله كتب كثيرة في العلم، ولعل أكثرها في خزانة الوقف بالريّ.

وكان يكثر تعجبه وهو فارسيّ من بلاد العجم، ومن أهل عسكر مكرم، وهو أعلم الناس أو من أعلمهم بنبوة «٢» رسول الله صلّى الله عليه وسلم وباثاره وبأخلاقه وشريعته،


(١) يقصد أبا علي عبد الوهاب الجبائي المعتزلي المعروف.
(٢) في الأصل: وبنبوة، ولعل الصواب ما أثبتناه