وقومه من العرب وجيرانه في البلد لا يعلمون شيئا من ذلك، وهذا إنما صار كذلك لترك السلطان العناية بالدين وإرسال العلماء والفقهاء في البوادي والآفاق كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفعل ذلك وخلفاؤه ولا يخلون القبائل من مقرىء وفقيه وساعي، ومع هذا فابتلى الناس بيحيى الطحاني وبأبي سعيد الجنابي وولده وأمثالهم من القرامطة في جزيرة العرب، فزعموا أنهم شيعة ودعاة إلى المهدي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقتلوا المسلمين ومن يقيم شريعة الإسلام، وسبوا المسلمين، وغزوا مكة وغيرها، وأحرقوا المصاحف، وصنعوا ما هو معلوم، فلهذا خفي على أولئك ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإذا تدبرت هذا إن دارت بصيرتك بصدق قوله في قصة نوح عليه السلام:«تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ»«١» .
فهذا جرير وبجيلة يقولون: ومن موسى، وما التوراة؟ وإن كنت قد علمت بعقلك بما تقدم لك، أنه صلّى الله عليه وسلم ما عرف ما أقصه من قصة نوح وغيره من الأنبياء إلا بالوحي. وانظر كيف صنع جرير وبجيلة في معرفة أخبار رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنهم ابتدؤوا فسألوا عنه أهل بلده، وأهل بيته، ومن رباه، ومن ربّي معه، وأعداءه، ومن ناصبه وطلب عثراته، فعرف ما عندهم، / فلم يجد عيبا ولا مطعنا، فرجع إلى قومه بمن معه فأخبروهم بما سمعوا، ثم تخيروا عقلاءهم وفضلاءهم فأرسلوهم إلى المدينة فسألوه وسمعوا منه، وهذا غاية ما يفعله العاقل الحازم المرتاد الطالب.
فتأمل هذا وما قبله من تلك المحافل والمقامات والمواطن التي تقدم لك ذكرها، مما كان بمكة وبأرض العرب وبأرض الحبشة وبالشام عند ملوك الروم وبالعراق عند ملوك الفرس، وأحضره فهمك، وواصل درسه، وتدبر