للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قول قريش لجرير وبجيلة في رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه ساحر، فإنهم لما سمعوا القرآن ورأوا غيره من آياته ودلالاته صلّى الله عليه وسلم فلم يمكنهم دفعها بالحجة، قالوا: سحر وهذا ساحر، وإنما يقولون ذلك لما لطف وغمض ودقّ وأخذ بالعقول: هذا سحر وهذا ساحر ولهذا قال أبو جهل حين خرجوا ومعهم القافة في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين هاجر ومعه أبو بكر في قصة الغار: والله إني لأراه معنا في بعض هذه الشعاب يرانا من سحره وما نراه، ولما نزل قوله عز وجل: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «١» سأل صلّى الله عليه وسلم عمه أبا طالب ليجمعهم له، فكان يراجعه ويدافعه، ثم أجابه لما يعرف من صدقه ولشدة محبته له فجمعهم، فلما حضروا، أطعمهم حتى امتلئوا شبعا من يسير من الطعام، وسقاهم حتى أرواهم من عسّ لبن، ثم ابتدأ بدعوتهم وإنذارهم لأن الله أمره بذلك، وأنه قال للملك: إني إن فعلت ذلك تفلق قريش رأسي فلق الخبزة «٢» ، فقال لي: يا محمد، إنك إلا تفعل ذلك تعذّب، وإن الله قد اتخذ لك جندا تبعثهم، وإن الله ينزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان، وإن قريشا والعرب ليست على شيء من الله ولا لله، وإن الله/ يقول: «إني خلقت عبادي جميعا حنفاء مسلمين، وجعلت ما يحلهم من رزق فهو لهم حلال، فأحالتهم الشياطين على دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وأمرتهم أن لا يغيروا خلقي. فقطع أبو لهب كلامه وأمر أصحابه بالقيام فقاموا وخرجوا، وتحادّوا أنه أشبعهم وأرواهم من ذلك الطعام والشراب اليسير الذي لا يكاد يشبع الواحد ولا يروي، فقال أبو لهب: هذا من سحره، وهذا بعض سحره، كالذي قالوه لجرير وأولئك الرهط من بجيلة.

وهذا المقام الذي كان له مع قريش كتلك المقامات التي قد تقدم ذكرها من


(١) الشعراء ٢٤٧
(٢) فلق الخبزة: كسرتها أو شطرها