والبأس والنجدة، وهم أكثر من جميع المهاجرين وجميع قريش الذين بالمدينة وتبعه عمر وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، فكيف كان يغلب الأنصار بهؤلاء الثلاثة؟ ولو أراد أن يغلبهم بكل من بالمدينة من قريش لما أطاقوا ذلك، ولكن الأنصار رحمهم الله طلبوا في بدء الأمر الخلافة فلما بيّن لهم أبو بكر أنه لا ينبغي ذلك رجعوا عنه لله وابتغاء وجه الله.
قال متكلم الشيع: خدع أبو بكر/ الأنصار بأن قال: منكم الوزراء ومنا الأمراء، فأطمعهم ثم غدر بهم، فما استوزر أحدا منهم لا هو ولا من بعده من الخلفاء، فلهذا أجابوه واتبعوه.
قلنا: هذا من دعاويكم التي لا دليل عليها، والوزارة التي ذكرها أبو بكر لهم إنما هي المعونة والمؤازرة في طاعة الله لمن يلي الأمر من قريش، فهذا زيادة في كلفة الانصار في شدة الوطأة عليهم والمشقة الشديدة فيما ألزمهم من معونة الخلفاء، فأين الإطماع الذي ادعيتم عليهم؟ وهذا الذي شرطه أبو بكر عليهم إلى النفور عنه وإلى الايحاش منه أقرب، فهذه الوزارة التي شرطها عليهم.
وهذا مثل قوله لهم في السقيفة حين قالوا له: اقبل البيعة فأبى، وقال:
ولّوا الإمارة عمر أو أبا عبيدة «١» ودعوني أكون لهم وزيرا، وكذا قال عند وفاته: ليتني يوم سقيفة بنى ساعدة لم أقبل البيعة وجعلتها في عمر أو في أبي عبيدة، وكنت وزيرا لا أميرا يريد معينا، وكذا قال أمير المؤمنين حين مشوا اليه بعد عثمان وقالوا له: نوليك أميرا فابسط يدك نبايعك، فقال: انظروا غيري تبايعوه وأبايعه معكم، ودعوني أكون لكم وزيرا، فلأن أكون لكم وزيرا خيرا من أن أكون أميرا، يريد معينا.