للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن هؤلاء القوم نظروا إلى من يقال له الوزير في زمن ملوكنا ممن يريد سلطان الزمان منه جباية الأموال، وترتيب أصحاب الضرائب والمواصير في ظلم الناس، وإقامة المستخرجين والمصادرين للناس في ديوان الاستدراك، وتمدحه الشعراء، ويجلس وحوله القيان وأصحاب الملاهي، وله القصور على الأنهار والبحار، كابن كلّس بمصر، وابن بقية ببغداد، وفلان وفلان بالعراق وفارس، فظنوا أن الوزارة التي ذكرها أبو بكر/ هكذا ينبغي أن تكون، «١» أو ما علموا أن موسى سأل ربه فقال: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» «٢» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر، ولولا فساد الزمان وغلبة الجهل لما كان يجاب عن مثل هذا الكلام.

وبعد فإن العاقل يعلم بطلانه من كل وجه، فإن الأنصار لو كان غرضهم الدنيا لقالوا لأبي بكر: ولم ندع الأمارة ونصير تبعا لك والدار دارنا والبلاد بلادنا والبادية باديتنا والعدد والعدة فينا والبأس والنجدة لنا، وأنت وصاحبك وجميع قريش جئتمونا هرابا الينا مستجيرين بنا، فما بنا حاجة اليك أن تكون من أتباعنا وحاشيتنا فكيف تكون أميرا علينا، وما حاجتنا والدنيا طلبتنا ونيتنا والعاجلة بغيتنا أن نتكلف هذه التكاليف الشديدة التي أتانا بها صاحبك، من الصلاة والصيام والزكاة والحج والمواساة والحدود ومعاداة الأمم والمجاهدة للملوك حتى يقيموا دينه ويتملكوا بشريعته، ونسفك دمانا في ذلك، ونكفر أسلافنا الذين خالفوا دينه وشريعته.


(١) ابن كلس: هو يعقوب بن كلس كان أحد وزراء الاخشيديين وهرب إلى الفاطميين وكان من أهم أسباب دخولهم مصر. أما ابن بقية فهو أبو طاهر محمد بن بقية وزر ببغداد سنة ٣٦٢ هـ.
(٢) طه ٣٠