الدعاة، فمرة يحبس بعضهم، ومرة يقتلهم، ويقول: ما أمرت بهذا، ويقول الدعاة هو أمرنا وبأمره فعلنا، وله أن يمتحننا. وكان من جوره وكذبه وفضائحه ما يطول، فإنه مكث في ملكه نيفا وعشرين سنة.
ولما هلك، قام ابنه الّذي قد تقدم ذكره مقامه، وتسمى بالقائم أمير المؤمنين، وزاد شره على شر أبيه أضعافا مضاعفة، وجاهر بشتم الأنبياء، فكان ينادي في أسواق أفريقية والمهدية وهي مدينة كان بناها أبوه وحصنها، فكان يقال: العنوا عائشة وبعلها، العنوا الغار ومن حوى، وقتل الفقهاء والعلماء القتل الذريع، واستولى من بلدان المغرب على أكثر ما استولى عليه أبوه، فإن بلدان المغرب واسعة عظيمة وهي تشبه بخراسان في السعة وكثرة الرجال وهي في يد عدة من الملوك، وكانوا «١» يقولون في هذا أنه هو الذي يظهر ويملك الأرض، وأنه هو الحجة والمهدي، وكتب إلى أبي طاهر القرمطي المقيم بالبحرين البلاغ/ السابع والناموس الأعظم، وهو سر الدعوة وحقيقتها، وبعثه على قتل المسلمين، واحراق المساجد والمصاحف، وكان قد كتب هذا في الكتاب في حياة أبيه، وكان أبوه في أول أمره يقول: إن هذا يتيم في حجري وهو علوي من ولد اسماعيل بن جعفر بن محمد، وكان في أول أمره يظن أنه لا يتم له أمر الملك فلما تمكن وفعل هذا قال: هذا ابني وهو علويّ. وشرح ظلم هذا القائم وقسوته وفجوره يطول، وهو أكثر مما أتى أبوه.
وكان لهذا الذي يسمى بأمير المؤمنين القائم بن المهدي ابن يقال له القاسم، وكان قد تأدب وقال الشعر، وكان فارسا، فاستخلفه ونصّ عليه، وقال:
هذا القائم الامام الذي أمر باستخلافه عليكم، وهو القائم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا. فمات هذا القاسم في حياة أبيه، فكان يقال بالقيروان ما أكثر كذب هؤلاء المشارقة.