ولكثرة ما كان من جور هذا وقتله للناس واستصفائه الأموال، اجتمع قوم من أهل الجبل بالمغرب على رجل من الأباضية يقال له أبو يزيد مخلد بن كيداد فبايعوه، وكان شيخا كبيرا ضعيفا لا يمكنه لضعفه أن يستمسك على فرس. فكان يركب حمارا، وكان له وزير يستشيره أعمى، فأنفذ اليه هذا الذي تسمى بالقائم بن المهديّ بعسكر فكسره وردّه، وتسامع به الناس، وأنه ينكر المنكر، فاجتمعوا إليه وأتوه، وسار من الجبل إلى الأمصار، ولقيته العساكر فكسرها كلها، ودخل أفريقية، وأزال الظلم والمكوس، وملك كل ما كان في أيدي هؤلاء القرامطة من أرض المغرب إلا المهدية، فإنه حاصرهم فيها، والاسقلية وطرابلس من أرض المغرب. ومات هذا المتسمي بالقائم بن المهدي في الحصار وعرض له وسواس وزال عقله مما نزل به من الذل، / وقتل الرجال، وزوال الملك، وجوع من بقي معه بالمهدية بالحصار.
وقام بعده ابنه أبو طاهر إسماعيل، وضمن للناس تغيير سيرة أبيه وجده، وأنه لا يتعرض لدياناتهم، وحلف على ذلك، وأكد واشهد، واستعان بأبي الحسين بن عمار، فأشار عليه بهذه الأمور. وقد كان أبو يزيد مخلد بن كيداد ملك خمس سنين، وكثرت عساكره، فانتشر عليه أمره، وأظهر أصحابه دين الأباضية، فكرهه الناس وخرج أبو طاهر إسماعيل وحاربه وكبسه في صحراء وأخذه وسلمه وصلبه، ووفى للناس بما وعد، وعدل وأنصف وأخذ الدعاة الذين كانوا لهم فحلق لحاهم، ونفاهم، وقال لأهل القيروان: من سمعتموه ينال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاقتلوه فإني معكم ومن ورائكم. وأطلق المحدثين في الحديث، والناس في إقامة التراويح، وأطلق الناس في غزو الروم، وأذلوهم، وأعزّ المسلمين والثغور على يدي أبي القاسم ابن أبي الحسن بن عمار، والثغور في يد أولاده إلى هذه الغاية، وهم قوم