تطلع من غربها. واتفق أن الروم أخذت ثغور المسلمين من طرسوس وأذنة والمصيصة وعين زربة وغيرها في أيامه، واحتوت عليها، فاشتد طمعه في الاسلام، وسره المصائب التي نزلت بالمسلمين، وبلغه أنه قد كتب على المساجد ببغداد لعن خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فطار سرورا بهذا وطغى وتجبر، وهمّ بغزو مصر لأن فيها شيعة كثرا، وإنما سلطانها خصيّ أسود مولى لموالي بني العباس وقال: عقله عقل امرأة، والذين معه من الجند أسوأ حالا منه، قد اعتادوا الترفه والأكل والشرب، وليست لهم بالحرب عادة، ومن بها من الشيعة يكاتبنا ويهون أمر هذا الخصيّ، والثغور فقد ذهبت، وما بقي للاسلام سلطان ولا/ ملك، والديلم الذين بالعراق والجبال شيعة لنا ومن قبلنا. فكان يقول له من حوله مثل ولد أبي الحسين بن عمار وجعفر بن فلاح بن مرزوق، ومحمد بن سليمان: يا أمير المؤمنين، مصر قد أفنت رجالكم وفرغت بيوت أموالكم، وقد طمع فيها آباؤك مرة بعد مرة فما تم ما أرادوا. وكان الدعاة يقولون: إذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعز لدين الله الأرض كلها، وبيننا وبينكم الحجر الأسود، وليس هذا كغيره، فإن لم نملك هذه الأرض كلها فكلما نقول لكم باطل. يعنون بالحجر الأسود كافورا الخصيّ الأسود أمير مصر.
فمات كافور في سنة ست وخمسين وثلثمائة، واختلف العسكر بمصر، وكان أميرهم ابن عبيد الله بن الأخشيد وكان شيعيا قد دخل في الدعوة، وكان رخوا مخنثا، فقال له أبو جعفر بن نصر. أيها الأمير، أمير المؤمنين أبو تميم المعز لدين الله هو لك كالوالد، والجند فقد طمعوا فيك، فإن شئت أن تدع الأمر له حتى يدبره لك، فإنه أبصر بتدبير الجند وأقدر، فقال:
إي والله أريد الراحة منهم، وأقبل على أبي يعقوب بن الأزرق الكاتب الأنباري