فقال: من هؤلاء الكلاب، الآن أنفذ كتامة إلى الأحساء فيشدون براذينهم على أبوابهم ويسبونهم.
واحتجب المعز بمصر، فكان لا يصل إليه إلا الواحد بعد الواحد من خواصه، وبث جواسيسه وعيونه وثقاته من الرجال والنساء في الناس يتعرفون له أخبارهم، من الجند والعامة، ويأتون بها، ويلقون من الأراجيف في الناس ما يوصيهم به. وطال استئثاره حتى أرجف الناس بموته، وهو متوفر على التنعم والأغذية التي تشحّم وتسمّن، والأطلبة التي تنقىّ/ البشرة وتحسن اللون والصورة. ثم ظهر للناس بعد مدة طويلة، وجلس لهم في حرير فائق رائق أخضر مذهب وعمامته منه، وعلى وجهه الجواهر واليواقيت وهي تلمع كالكواكب، وأوهم أنه كان غائبا في السماء، وأن الله رفعه إليه، وكان يتحدث بما كان يأتيه به أصحاب أخباره في حال استتاره، ويوهم أن الله أطلعه على تلك الغيوب، ويعرض بالجمل دون التفصيل، ويقول: قوم:
قالوا كذا، وقوم قالوا كذا، وقوم عزموا على كذا، وبث الجواسيس بالأراجيف بأنه كان في السماء وأن الله استزاره ورفعه إليه، فامتلأت قلوب العامة والجهال منه، وظنوا ذلك، وأن كل ما يتوعد به ويعد به من تلك الأرض كلها حق.
ووافى العراق أبو عليّ الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنّابي من الأحساء في عسكر، والسلطان ببغداد أبو منصور بختيار بن معز الدولة، فسأله أبو عليّ هذا القرمطيّ أن يأخذ له عهدا ولواء من الخليفة المطيع لله ولاية على مصر والشام، وقال لهم: أنا أعرف بهذا الممخرق أبي تميم منكم، وأعرف أصله وأبوته ومخاريق عبد الله بن ميمون القدّاح وأولاده، وأن أبلغ به أقصى المغرب وأردّه من حيث جاء. فقال الخليفة المطيع لله لبختيار وقد سأله ذلك: لا