لا تفعل الشفاء بل لا تفعل شيئا البتة لأن الفعل لا يكون إلا من الحيّ القادر وهذه الأدوية موات، والشفاء لا يفعله إلا الله عز وجل، وقد يفعله بلا دواء ويفعل السقام مع التداوي، ولكنه/ عز وجل قد أجرى العادة بأن يفعل الشفاء عند التداوي في بعض الأحوال والأوقات دون بعض، كما قد يفعل النبات عند البذر والسقي وقد لا يفعله مع ذلك، وقد ينبت ما لا يحرثه العباد وقد أجرى العادة بالشفاء من الأمراض المتفاوتة المتضادة بالدواء الواحد وهو القرآن فما كان للناس دواء في القديم غيره، حتى لا يكاد يحصى من شفاه الله بذلك لكثرتهم، ولا يحصي عددهم إلا الله وحده، وكانوا يستحيون من الله أن يصفوا أمراضهم للاطباء والمخلوقين وإن كان في ذلك رخصة، لأنهم قد علموا أن السقام والشفاء من الله لا يفعله غيره ولا يقدر عليه سواه، فكانوا لا يشكون ذلك إلا إليه ولا يعرفون قارورة ولا ذكر طبيعة.
ولما مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه قيل له: ألا ندعو لك طبيبا؟
فقال: لا الطبيب أمرضني. ولما مرض الربيع بن خيثم قيل له: ألا شاورت طبيبا؟ فقال: قد أردت هذا، ثم ذكرت عادا والقرون الخالية وقد كان لهم أطباء فماتوا ومات الأطباء.
وقال الحسن: أدركت أقواما والله ما كانوا يعرفون الهليلج ولا التليلج «١» وهذا ماء زمزم وهو غليظ وهو لما شرب له، ولو جمع جميع من داواه المتطببون فماتوا عن علاجهم لما كانوا أشطر من وهب الله له الشفاء من علته عند شرب ماء زمزم وحده.
وعلى أن ذلك الماء وحده يصلح للامراض المتفاوتة المتضادة المختلفة، وهذا الذي ادّعينا في القرآن وفي ماء زمزم هو ما كان عليه الصحابة في الصدر الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، إلى تابعي التابعين والذين بعدهم، يعرفه