للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك؟ فقال له: "فعل بي هؤلاء وفعلوا". فقال جبريل عليه السلام "أتحب أن أريك آية؟ قال: "نعم" قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه. فقال: مرها فلترجع. فأمرها فرجعت إلى مكانها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حسبي" (١).

ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغ رسالة ربه، ويدعو الناس إلى دين الله صابراً محتسباً، واقفاً عند أمر ربه {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)} [الزخرف: ٨٩].

عباد الله! رسولنا - صلى الله عليه وسلم - على خلق عظيم كما شهد له ربه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)}، فقد كان كفار مكة يعتدون عليه بالسب والشتم والضرب، ومع ذلك كان لا ينتقم لنفسه أبداً، بل جاءه ملك الجبال وقال له: يا محمَّد لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (أي الجبلين) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً" (٢).

رسول كريم، إنها أخلاق النبوة، ويجب على الدعاة أن يتأسوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبر على أذى الكفار، وأن يمضوا في الدعوة إلى هذا الدين العظيم.

عباد الله! تعالوا بنا لننظر إلى هذا الخلق العظيم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكفار مكة يجمعون عليه الإيذاء بالقول والفعل، ومع ذلك فهو يعفو ويصفح.

عن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاصي: ما أكثر ما رأيت


(١) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٣٨).
(٢) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٣٢٣١)، ومسلم (رقم ١٧٩٥).