عباد الله! رأت قريش أن الديار قد خلت من أهلها، وأن المسلمين قد تركوا مكة مهاجرين إلى المدينة، تاركين ديارهم وأموالهم، وشعرت قريش أيضاً بأن الإِسلام أضحت له دارٌ يأرز إليها، وحِصنٌ يحتمي به، وتوجست خيفةً من عواقب هذه المرحلة الخطيرة في دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلمت قريش أيضاً أن محمداً لا بد أن يدرك أصحابه اليوم أو غداً، فاجتمعوا في دار الندوة ليتخذوا قراراً حاسماً في هذا الأمر.
فرأى بعضهم أن توضع القيود في يد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ويشد وثاقه ويرمى به في السجن لا يصله منهم إلا الطعام، ويترك على ذلك حتى يموت، ورأى آخر أن ينفي من مكة فلا يدخلها وتنفض قريش يديها من أمره، وقد استُبعِدَ هذان الاقتراحان لعدم جدواهما واستقر الرأي على الاقتراح الذي أبداه أبو جهل.
قال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شاباً نسيباً وسطاً فتياً، ثم نعطي كل فتى سيفاً صارماً، ثم يضربونه جميعاً ضربة رجل واحدٍ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلِّها، ولا أظن أن بني هاشم يقوون على حرب قريش كافة، فإذا لم يبق أمامهم إلا الدية أديناها.
ورضي كفار مكة بهذا الحل للمشكلة التي حيرتهم، وانصرفوا ليقوموا على تنفيذ هكذا القرار الجائر الغادر.
وقد أخبرنا الله في كتابه عن هذا الاجتماع، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ