وذلك من تمام إحكام الخطة، ورجاء النجاة والسلامة، ذلك أن قريشاً تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجر إلى المدينة فإذا فقدته ستطلبه جهة المدينة- في الشمال- فخرج - صلى الله عليه وسلم - أول ما خرج جهة الجنوب، جهة اليمن مخالفاً تماماً الطريق الذي قصده، حتى إذا خرجت قريش من جهة المدينة فلم تدركه علمت أنه قد نجى، فترجع فيخرج بعد آمناً سالماً مطمئناً.
واستأجرا أجيراً يهديهما الطريق، وكان كافراً إلا أنهما أمناه على هذا السر، وأسلما له الراحلتين، وواعداه أن يأتيهما بعد ثلاث في غار ثور.
وفي الليل خرج - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً أن ينام في فراشه تلك الليلة، وأتيا غار ثور فدخلاه، وكان عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- يبيت عندهما إلى الثلث الأخير من الليل، فإذا دخل السحر تدلى إلى مكة فأصبح بينهم كأنه بائت فيهم، فيستمع إليهم بالنهار، وما يكيدونه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاء الليل ذهب إليهما، فأخبرهما بما سمع من مكائد قريش، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى الغنم قريباً من الغار، فإذا كانت العشاء راح عليهما بالغنم في الظلام، فيحلبان ويطعمان ثم ينعق عامر على الغنم فتنزل إليه، صنع ذلك حتى انتهت الثلاث.
عباد الله! وجاء الشباب الذين أجمعوا أمرهم على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وباتوا ليلتهم أمام الدار، فلم يرعهم إلا خروج علي بدلاً من محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فجن جنونهم وطاروا هنا وهناك في الطرقات، يبحثون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه حتى انتهى بهم أثر الأقدام إلى غار ثور الذي دخله النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأعمى الله أبصارهم، وصرف قلوبهم عن دخول الغار، وهم أمام بابه وأبو بكر يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا.
فيقول - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، يا أبا بكر لا تحزن إن