للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريق الساحل، وأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستصرخ أهلها حتى يسارعوا إلى استنقاذ أموالهم.

واستطاع (ضمضم) هذا إزعاج البلدةِ قاطبةً، فقد وقف على بعيره بعد أن جدع أنفهُ، وحول رحلهُ، وشق قميصه، يصيحُ: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان عرض لها محمدٌ وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث، الغوث!

عباد الله! فقام أشراف مكة، يحثون أهل مكة على أن ينفروا سراعاً؛ ليُخلِّصوا تجارتهم، من محمَّد وأصحابه، فخرجوا في نحو الألف، معهم مائة فارسٍ ومعهم- المغنيات يضربن بالدف، ويغنين بهجاء المسلمين.

وخرجوا من ديارهم كما أخبرنا الله تعالي: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٤٧] وأقبلوا في تحملٍ وحنقٍ عظيم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ لما يريدون من أخذ عيرهم.

عباد الله! ولما رأى أبو سفيان أنه قد نجا وأحرز العير، كتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتُحرِزوا عيركمُ وقد سلَّمها الله، فوصلهم الخبرُ وهم بالجحفةَ. فهمُّوا بالرجوع؛ إلا أن أبا جهل أصرَّ على الخروج والوصول إلى بدر، قائلاً: والله لا نرجع حتى نأتي بدراً فنقيم عليها ثلاثاً، ننحرُ الجُزر، ونطعم الطعام، ونُسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، حتى تسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا؛ فلا يزالون يهابوننا بعد ذلك اليوم أبداً، ومضت قريش في مسيرها مستجيبة لرأي أبي جهل حتى نزلت بالعدوة القصوى من وادي بدرٍ، وكان المسلمون قد انتهوا من رحيلهم المضني إلى العدوة الدنيا.