نصراً ساحقاً على جيش الكفر، لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية الرُماة غلطةٌ فظيعةٌ قلبت الوضع تماماً، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين وكادت تكون سبباً في مقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
عباد الله! لما رأى الرُّماة أن المسلمين بدأوا يجمعون الغنائم التي خلَّفها المشركون، قال بعضهم لبعض: الغنيمة، الغنيمة، ظهر أصحابكم فماذا تنتظرون؟ أما قائدهم عبد الله بن جبير فقال لهم أنسيتم عهد رسول الله إليكم؛ ألا تبرحوا مكانكم حتى يأذن لكم؟ قالوا: إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحمي ظهر الجيش حتى ينصرهم الله، وقد نصرهم الله، والله لنأتين القوم فنصيب معهم من الغنائم، فنزل أربعون من الرماة وبقى الأمير في عشرة فقط.
عباد الله! نظر خالدُ بن الوليد وقد ولَّي هارباً، فإذا الجبل قد انكشف ولم يبق عليه غيرُ عشرةٍ، فاستدار خالدٌ في نفر من فرسان المشركين وعلو الجبل -أي جبل الرماة- فقتلوا أمير الرماة ومن معه، ثم دخلوا في المسلمين من ورائهم فأصابوا منهم ما أصابوا، وصرخ عدو الله إبليس في المسلمين: أي عباد الله أُخراكم، أي جاءكم العدو من ورائكم، فرجعت أولاهم على أُخراهم فاجتلدت أولاهم مع أُخراهم -المسلمون أنفسهم- هؤلاء راجعون وهؤلاء متقدمون، فأُعميت الأبصار فلم يلتفتوا إلى شيء وجعلوا يضربون بعضهم بعضاً، ونظر حذيفة بن اليمان فرأى أباه المسلم والسيوف تعمل فيه فقال: أبي أبي، فما انحجزوا عنه حتى قتلوه.
ونظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أصحابه قد ولوا عنه مدبرين فجعل ينادي: إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، فسمع المشركون صوته فعرفوه، فأقبلوا عليه يريدون قتله ولكن الله عصمه، فأنزل ملائكتهُ تقاتلُ دونه.