للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورأى هؤلاء الموت مقبلاً عليهم من كل صوب، فهرعوا إلى سيوفهم يدفعون عن أنفسهم دون جدوى، إذ استطاع الكفرة أن يقتلوهم جميعاً غير رجل رقى فكان في رأس جبل، وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر.

فنعاهم لأصحابه فقال: إن إخوانكم قد أصيبوا -أي قتلوا جميعاً-

وإنهم قد سألوا الله عَزَّ وَجَلَّ فقالوا: ربنا بلغ عنا إخواننا بما رضيت عنا ورضينا عنك، فأخبرهم عنهم.

قال أنس: "فقرأنا فيهم قرآناً ثم نسخ: بلغوا عنا قومنا، أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" (١)

عباد الله! فحزن النبي- صلى الله عليه وسلم - على هؤلاء السبعين القراء حزناً شديداً.

يقول أنس - رضي الله عنه -: "ما رأيتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وَجَد -أي حزن- على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة وكانوا يُدعَوْنَ القراء، فمكث شهراً يقنت على قتلتهم" (٢).

عباد الله! ومكث النبي- صلى الله عليه وسلم - شهراًَ يقنت على الكفرة الذين قتلوهم، كلما صلى ورفع رأسه من الركوع رفع يديه، وقال: "اللهم العن رعلاً وذكوان وعصيّة وبني لحيان عصوا الله ورسوله" (٣).

عباد الله! وهكذا فقد المسلمون في شهر واحدٍ ثمانين من خيرة الدعاة، وقبل ذلك بقليل فقد المسلمون سبعين من خيرة الصحابة في غزوة أحد


(١) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٢٨٠١)، ومسلم (رقم ٦٧٧).
(٢) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ١٣٠٠)، ومسلم (رقم ٦٧٧).
(٣) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ١٠٠٣)، ومسلم (رقم ١٠٠١).