للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحفر خندق من الجهة الشمالية للمدينة؛ لأن هذه الجهة هي الجهة الوحيدة التي يستطيع العدو أن يدخل إلى المدينة منها، فإن المدينة تقع بين حرتين من جهة الشرق والغرب يعجز العدو أن يدخل من جهتهما، وأما جهة الجنوب ففيها مساكن يهود بني قريظة وبينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهداً وميثاقاً على أن لا يدخل عدو من ناحيتهم.

عباد الله! وحفر الخندق مكيدة حربية- لم تكن العرب تعرفها من قبل- والحرب خدعة ولذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق واستجاب الصحابة - رضي الله عنهم - لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقاموا جميعاً بتنفيذ الأمر على الفور وبسرعة قبل وصول العدو.

عباد الله! وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه ليحفر معهم في هذا الخندق، فوصل إليهم وهم يحفرون في غداةٍ باردة، وكان الوقت وقت شتاء وكان البردُ شديداً جداً، وكان الزمان زمان قحطٍ، فلما رأى - صلى الله عليه وسلم - ما بهم من التعب والجوع دعا لهم فقال:

"اللهم إن العيشَ عيشُ الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة"

فقالوا مجيبين له:

"نحن الذين بايعوا محمداً ... على الجهاد ما بقينا أبداً" (١)

عباد الله! وأخذ - صلى الله عليه وسلم - يعمل مع أصحابه في حفر الخندق؛ يحفر بيده وينقل التراب بنفسه، حتى أغبر بطنه من شدة التراب.


(١) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٢٨٣٤)، ومسلم (رقم ١٨٠٥).