قال عروة: أي غدر! أولست أسعى في غدرتك؟ - وكان المغيرة - رضي الله عنه - في الجاهلية صحب رجالاً من قريش فقتلهم ثم أخذ أموالهم، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما الإِسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء - لكونه أخذ غدراً-.
عباد الله! واستمر عروة يحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينظر في أصحابه كيف يحترمونه، ويعزرونه ويوقرونه، فما تنخم - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في يد أحد منهم، فدلك بها وجهه وجلده، ولا توضأ وضوءاً إلا كادوا يقتتلون على وضوئه، كلهم يريد أن يمس منه، ولا تكلم بكلمة إلا بادروا بالعمل بها ولا يحدون إليه النظر تعظيماً له.
فرجع عروة إلى قريش، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمَّد محمداً- وحدثهم بما رأى- ثم قال لهم: وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
عباد الله! فقام رجل من بني كنانة فقال دعوني آته. فقالوا ائته- فأتاه فلما أشرت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: هذا رجل من بني كنانة قد أتاكم، وهو من قوم يعظمون البُدن فابعثوها له فبعثوها، واستقبله القوم يلبون- لبيك اللهم لبيك- فلما رأى البُدن وسمع التلبية قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم ما رأى قال لقريش: استقبلوني ملبين يسوقون الهدي، جاءوا معتمرين ولم يجيئوا لقتال، وما أرى أن يُصدوا عن البيت.
فقالوا له: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك.
عباد الله! ثم أرسلت قريش مكرز بن حفص وأعقبته بسهيل بن عمرو