للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للصلاة، فصعد بلال وأذن للصلاة، وأنصت أهل مكة للنداء الجديد على آذانهم كأنهم في حُلمٍ، إن هذه الكلمات تقصف في الجو فتقذف بالرعب في أفئدة الشياطين، فلا يملكون أمام دويِّها إلا أن يولوا هاربين، أو يعودوا مؤمنين، الله أكبرُ الله أكبرُ، اللهُ أكبر اللهُ أكبر.

ذلك الصوت الذي كان يهمس يوماً تحت أسواط العذاب وهو يقول: أَحدٌ أَحدٌ، ها هو اليوم يُجلجل فوق كعبة الله قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، والكل خاشعٌ منصت خاضع.

ها هي الآن كلمة التوحيد هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فها هي الأصنام تحت الأقدام، إنها لحظة والله يبكى فيها القلب فرحاً على هذا النصر العظيم.

عباد الله! ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس على الإِسلام، فبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا؛ بايعهم رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً. وما مست يدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط (١).

وقال - صلى الله عليه وسلم -للنساء: "إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأةٍ كقولي لمئة امرأة" (٢).

عباد الله! فلما بايع النبي- صلى الله عليه وسلم -الرجال والنساء على الإِسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - واستقر الأمن .. خرج - صلى الله عليه وسلم - فدخل بيت أمِّ هانئ بنت أبي طالب بنت عمه، فاغتسل - صلى الله عليه وسلم - ثم صلى ثماني ركعات شكراً لله تعالى على هذا الفتح.


(١) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٥٢٨٨)، ومسلم (رقم ١٨٦٦).
(٢) "صحيح النسائي" (٤١٩٢).