قال - صلى الله عليه وسلم -: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟
قالوا: وما نقول يا رسول الله وبماذا نجيبك؟ المنُّ لله ورسوله.
قال - صلى الله عليه وسلم -: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدقتم: جئتنا طريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك، وخائفاً فأمناك ومخذولاً فنصرناك ..
فقالوا: المنُّ لله ورسوله.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفتُ بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإِسلام!! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شعباً، وسلكت الأنصار شِعباً لسلكت شِعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار. فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً، ورسوله قسماً، ثم انصرف .. وتفرقوا .. (١).
عباد الله! ولما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من توزيع الغنائم وهو بالجعرانة، أراد أن يعتمر قبل أن يرجع؛ فأحرم بالعمرة من الجعرانة ليلاً، ووصل مكة فطاف وسعى ثم تحلل، وخرج منها ليلاً فبات بالجعرانة.
ثم عاد- صلى الله عليه وسلم -إلى المدينة وقد كان خرج منها في رمضان ودخلها في أواخر ذي القعدة.
عباد الله! وشتان بين هذا الدخول والدخول يوم الهجرة، لقد دخلها يوم الهجرة خائفاً يترقب، وقريش قد بعثت من يأتي به حياً أو ميتاً.
(١) قال الشيخ الألباني: حديث صحيح "فقه السيرة" (ص ٣٩٦).