للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن كان له بعيرٌ فليشدَّ عقاله".

فهبت ريحٌ شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء" (١).

عباد الله! وهناك في تبوك لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيش المسلمين أي جُنديٍّ من جنود العدو، وألقى الله الرعب في قلوب الرومان على كثرتهم وقوة عدّتهم، فآثروا السلامة على الفناء، فجلسوا في أرضهم بالشام ولم يتحركوا أدنى مسافة للقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بتبوك بضعة عشر ليلة، لم يجد أدنى مقاومة وجاءت القبائل العربية المتنصرِّة حلفاء الرومان، فصالحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجزية، وكتب لها كتاب صُلحٍ، ثم عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك إلى المدينة سالماً غانماً.

عباد الله! وغزوة تبوك تشبه غزوة الأحزاب.

فغزوة الأحزاب لم يكن فيها قتال، وغزوة تبوك لم يكن فيها قتال. غزوة الأحزاب أولها شدة وبلاء، كما قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١)} [الأحزاب: ١٠ - ١١].

وغزوة تبوك أولها أيضاً شدة وبلاءٌ وعُسرة، في الظَهر والمال والماء، كما قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧)} [التوبة: ١١٧].


(١) رواه مسلم (رقم ٧٠٦ بعد ١٠).