وقال القاضي: لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيتَه ممن يتخذه بيت نار أو کنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شَرَط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط؛ لكنه يعلم أنه يبيع الخمر.
قال أبو بكرٍ: لا فرقَ بين البيع والإجارة كما قدمناه، وكلام أحمد محتمل الأمرين، فإن قوله في رواية أبي الحارث: يبيعها من مسلم أحبّ إليَّ، يقتضي أنه مَنْع تنزيه. واستعظامه لذلك في رواية المرُّوذي، وقوله: لا تباعُ من كافرٍ، وشدَّد في ذلك، يقتضي التحريم.
وأما الإجارة؛ فقد سوَّى الأصحابُ بينها وبين البيع، وأن ما حكاه عن ابن عَوْنٍ ليس بقولٍ له. ويمكن أن يقال: بل ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بِفِعْل رجلٍ يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين.
والفرقُ بين الإجارة والبيع: أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أُخرى، وهو صرف إرعاب المطالبة بالكِراء عن المسلم، وإنزال ذلك بالكافر، فصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية [فَـ] لِمَا تضمَّنه من المصلحة جاز، وكذلك جازت مُهادنة الكفار في الجملة.
فأما البيع؛ فهذه منتفية فيه، وهذا ظاهر على قول ابن أبي موسى وغيره: أن البيع مكروه غير محرَّم، فإن الكراهة في الإجارة تزول بهذه المصلحة الراجحة كما في نظائره، فيصير في المسألة أربعة أقوال.
وهذا الخلافُ عندنا والتردُّد في الكراهة، هو إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرَّمة، فأما إن آجره على أنه يبيع فيه الخمر أو يعملها کنيسة؛ فلا يجوز قولًا واحدًا، وبه قال الشافعي وغيره.