للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: لا، وهو قول ابن بَطَّة وابن عقيل وغيرهما؛ لأنه سفر بدعة منهيٌّ عنه.

والثاني: يجوز، وهو قول الغزالي، وأبي الحسن بن عَبْدوس الحراني، والشيخ أبي محمد المقدسي (١) -وما علمتُه منقولًا عن أحدٍ من المتقدمين- بناء (٢) على أن الحديثَ لم يتناول النهيَ عن ذلك، كما لم يتناول النهيَ عن السفرِ إلى المكان الذي فيه الوالد والعلماء والمشايخ والإخوان، أو بعض المقاصد من الأمور الدنيوية المباحة.

وأما سِوى ذلك من المحدَثات؛ مثل الصلاة عند القبور مطلقًا، أو اتخاذها مساجد، أو بناء المساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه، وقد صرَّح العلماء -علماء الطوائف- من أصحابنا وغيرهم، بالنهي عن بناء المساجد على القبور اتباعًا للأحاديث وأنه حرام، ومن العلماء من أطلق عليه لفظ الكراهة، فما أدري ما عنى به التحريمَ أو التنزيه؟ ولا ريب في القطع بتحريمه (٣) .

فهذه المساجد المبنيَّة على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم تتعيَّن إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين. وتُكره الصلاةُ فيها من غير خلافٍ أعلمه، بل لا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ للنهي واللعن الوارد فيه. ليس في هذه المسألة خلاف؛ لكون المدفون واحدًا، وإنما اختلف أصحابُنا في المقبرة المجرَّدة عن مسجد؛ هل حدُّها ثلاثة أَقْبُر أو يُنْهى عن الصلاة


(١) هو ابن قدامة، وانظر قوله في "المغني": (٣/ ١١٧ - ١١٨).
(٢) هذا تعليل قولهم بالجواز.
(٣) بأدلة كثيرة صريحة، انظر "الاقتضاء": (٢/ ١٨٤ - ١٨٧).

<<  <   >  >>