وحينئذٍ فيقال: أما التوسل والتوجه إلى الله، وسؤاله بالأعمال الصالحة التي أَمر بها، كدعاء الثلاثة الذين أووا إلى الغار، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم، فهذا مما لا نزاع فيه، بل هو من الوسيلة التي أمر بها في قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة: ٣٥]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}[الإسراء: ٥٧]، فإنَّ ابتغاء الوسيلةِ هو طلب ما يُتَوَسَّل به، أي: يُتَوَصَّل ويُتَقَرَّب به، سواء كان على وجه العبادة، أو كان على وجه السؤال له والاستعاذة بها، رغبةً إليه في جَلْب المنافعِ ودَفْع المضارِّ.
ولفظُ الدعاء في القرآن يتناول هذا وهذا، كما قال:{فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦]، فأمر بالاستجابة له والإيمان به، قال بعضهم (١) : "فليستجيبوا لي إذا دعوتُهم، وليؤمنوا بي أني أُجيبُ دعوتَهم"، وبهذين الشيئين تحصل إجابة الدعوة؛ بكمال الطاعة لأُلوهيَّته، وبصحة الإيمان بربوبيته، فمن استجاب لربِّه؛ بامتثال أمره، واجتناب نهيه = حصلَ مقصودُه من الدعاء، فمن دعا موقنًا أنه يُجيب دعوة الداعي إذا دعاه أجابَه، ولو كان مشركًا فاسقًا، كما قال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧) } [الإسراء: ٦٧].
لكن هولاء الذين يُستجاب لهم لإقرارهم بربوبيَّتِه، وأنه يُجيب دعاءَ المضطر، إذا لم يكونوا مخلصين له الدين في عبادته، ولا مطيعين له ولرسله، كان ما يعطيهم بدعائهم متاعًا في الحياة الدنيا، وما لهم في الآخرة من خَلَاق.
(١) انظر "تفسير الطبري": (٢/ ١٦٦)، و "الدر المنثور": (١/ ٣٥٦).