وفي رواية «فدخلت العسكر، فإذا الناس في عسكرهم يقولون الرحيل الرحيل لا مقام لكم والريح تقلبهم على بعض أمتعتهم، وتضربهم بالحجارة، والريح لا تجاوز عسكرهم، فلما انتصفت الطريق إذا أنا بنحو عشرين فارسا معتمين، فخرج إليّ منهم فارسان وقالا: أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم. قال حذيفة: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قائما يصلي فخبرته، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، أي وفي رواية «فأخبرته الخبر فضحك حتى بدت ثناياه في سواد الليل، وعاودني البرد، فجعلت أقرقف، فأومأ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فدنوت منه، فسدل عليّ من فضل شملته فنمت ولم أزل نائما حتى الصبح» أي طلوع الفجر «فلما أن أصبحت» أي دخل وقت صلاة الصبح «وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا نومان: أي يا كثير النوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال له: لا بأس عليك من برد حتى ترجع إليّ» .
أي ومن هذا أي إرسال حذيفة رضي الله عنه وما تقدّم: أي من إرسال الزبير رضي الله عنه تعلم أن ذلك كان في الخندق، ولا مانع منه، لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم عدل عن إرسال الزبير، واختار حذيفة لأمر قام عنده صلى الله عليه وسلم، من جملة ذلك كون الزبير رضي الله عنه كان عنده حدة وشدة لا يملك نفسه أن يحدث بالقوم ما نهى عنه حذيفة رضي الله عنه، وحينئذ يرد قول بعضهم إن الزبير إنما أرسل لكشف أمر بني قريظة هل نقضوا العهد أم لا؟ لا لكشف أمر قريش، وحذيفة رضي الله عنه ذهب لكشف أمر قريش هل ارتحلوا أولا، وقد اشتبه الأمر على بعض الناس فظنهما قضية واحدة فليتأمل ذلك.
وكان يقال لحذيفة رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره. فقد قال حذيفة رضي الله عنه «لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما يكون حتى تقوم الساعة» أي وتقدم أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقال له أيضا صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر ابن ظفر في «ينبوع الحياة» في تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب: ٩] وهبت ريح الصبا ليلا، فقلعت الأوتاد، وألقت عليهم الأبنية، وكفأت القدور، وسفت عليهم التراب، ورمتهم بالحصا، وسمعوا في أرجاء: أي نواحي معسكرهم التكبير وقعقعة السلاح: أي من الملائكة، فصار سيد كل حي يقول لقومه: يا بني فلان هلموا إليّ، فإذا اجتمعوا قال: النجاء النجاء، فارتحلوا هرابا في ليلتهم، وتركوا ما استتقلوه من متاعهم. أي والصبا هي الريح الشرقية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قالت الصبا للشمال: اذهبي بنا ننصر رسول الله