فقالت: إن الحرائر لا تهب بالليل، فغضب الله عليها فجعلها عقيما، ويقال لها الدبور. فكان نصره صلى الله عليه وسلم بالصبا. وكان إهلاك عاد بالدبور، وهي الريح الغربية.
وحين انجلاء الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم «الآن نغزوهم ولا يغزونا» والصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع ليال من ذي القعدة، أي بناء على أنها كانت في القعدة وهو قول ابن سعد.
وقيل كانت في شوال وكان ذلك سنة خمس، أي كما قاله الجمهور. قال الذهبي:
وهو المقطوع به، وقال ابن القيم: إنه الأصح. وقال الحافظ ابن حجر: هو المعتمد. وقيل سنة أربع، وصححه الإمام النووي في الروضة. قال بعضهم: وهو عجيب، فإنه صحح أن غزوة بني قريظة كانت في الخامسة، ومعلوم أنها كانت عقب الخندق.
أي وفيه أنه يجوز أن تكون بنو قريظة أوائل الخامسة، والخندق أواخر الرابعة، فتكون في ذي الحجة. واستدل من قال إن الخندق كانت سنة أربع بما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، فيكون بينهما سنة واحدة، أي وكانت سنة ثلاث، فيكون الخندق سنة أربع.
قال الحافظ ابن حجر: ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون ابن عمر رضي الله عنهما في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشرة، وسبقه إلى ذلك البيهقي. وحينئذ يكون بين أحد والخندق سنتان كما هو الواقع لا سنة واحدة.
ومما وقع من الآيات في هذه الغزوة في مدة حفر الخندق غير ما تقدم: أن بنت بشير بن سعد جاءت لأبيها وخالها: أي عبد الله بن رواحة بحفنة من التمر ليتغذيا بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتيه، فصبته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأهما، ثم أمر بثوب فبسطت له، ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه. وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب؛ أي فإن أهل الخندق أصابهم مجاعة. قال بعض الصحابة:«لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق زادا، وربط صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع» .
أقول: أورد ابن حبان في صحيحه لما أورد الحديث الذي فيه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال، وقالوا له ما لك تواصل يا رسول الله: قال «إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» .
قال: يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع الحجر على بطنه من الجوع، لأنه كان يطعم ويسقى من ربه إذا واصل، فكيف يترك جائعا مع