وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول: ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. أي وفي لفظ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فما سمعنا بوافد وقد كان أفضل من ضمام.
ولما رجع ضمام رضي الله تعالى عنه إلى قومه قال لهم: إن الله تعالى قد بعث رسولا، وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه.
قال: وفي رواية أن أول شيء تكلم به أن سب اللات والعزى، فقال له قومه:
مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون، فقال لهم: ويلكم، والله إنهما لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولا إلى آخر ما تقدم، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، فلم يبق من القوم رجل ولا امرأة إلا وأسلم.
ومنها وفد عبد القيس وفيهم الجارود، وكان نصرانيا: أي قد قرأ الكتب فقال أبياتا مخاطبا بها النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
يا نبي الهدى أتاك رجالا ... قطعت فدفدا وآلا فآلا
تتقي وقع شر يوم عبوس ... أوجل القلب ذكره ثم هالا
الفدفد: المفازة، والآل: ما يرفع الشخوص في أول النهار وفي آخره، وقيل السراب. وقيل وكانوا ستة عشر، فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام، فقال: يا محمد إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك فتضمن لي ذنبي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم أنا ضامن لك أن قد هداك إلى ما هو خير لك منه، فأسلم وأسلم أصحابه، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحملهم، فقال: والله ما عندي ما أحملكم عليه، فقال: يا رسول الله يحال بيننا وبين بلادنا ضوالّ من ضوال المسلمين أي من الإبل والبقر مما يحمي نفسه أفنتبلغ عليها: أي نركبها إلى بلادنا. قال: لا، إياك وإياها، فإنما تلك حرق النار أي لهبها كذا في الأصل.
وفي السيرة الهشامية أن الجارود إنما وفد مع حليف له يقال له سلمة بن عياض الأزدي وأن الجارود قال لسلمة: إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي، فهل لك أن تخرج إليه، فإن رأينا خيرا دخلنا فيه، وأنا أرجو أن يكون هو النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم، لكن يضمر كل واحد منا له ثلاث مسائل يسأله عنها لا يخبر بها صاحبه، فلعمري إنه إن أخبرنا بها إنه لنبي يوحى إليه، فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم قال له الجارود: بم بعثك به ربك يا محمد؟ قال: بشهادة أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله، والبراءة من كل ند أو دين يعبد من دون الله، وبإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة لحقها، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا بغير إلحاد مَنْ