حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا» أعادها مرارا «ثم رفع صلى الله عليه وسلم رأسه وقال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» وأمرهم صلى الله عليه وسلم بأخذ مناسكهم عنه لعله لا يحج بعد عامه ذلك، وكان وقوفه صلى الله عليه وسلم بين الجمرات والناس بين قائم وقاعد.
وجاء:«أنه صلى الله عليه وسلم خطب في اليوم الأول واليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها، ويقال له يوم النفر الأول لجواز النفر فيه كما يقال لليوم الثالث في أيام التشريق يوم النفر الآخر.
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثا وستين بدنة، أي وهي التي قدم بها من المدينة وذلك بيده الشريفة لكل سنة بدنة. قال بعضهم. وفي ذلك إشارة إلى منتهى عمره صلى الله عليه وسلم، لأن عمره صلى الله عليه وسلم كان في ذلك اليوم ثلاثا وستين سنة، فنحر صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة لكل سنة بدنة، وطبخ له اللحم من لحمها، وأكل منه: أي أخذ من كل بدنة بضعة، فجعل ذلك في قدر وطبخ، فأكل من ذلك اللحم وشرب من مرقته، ثم أمر صلى الله عليه وسلم عليا كرّم الله وجهه فنحر ما بقي وهو تمام المائة، أي ولعله الذي أتى به عليّ كرم الله وجهه من اليمن هذا.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة، ثم أمر صلى الله عليه وسلم عليا فنحر ما بقي منها وقال له اقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس، ولا تعط جزارا منها شيئا، وخذ لنا من كل بعير جذية من لحم واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحثو من مرقها ففعل، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن منى كلها منحر، وأن فجاج مكة كلها منحر. ثم حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه الشريف: أي حلقه معمر بن عبد الله وقال له: هنا وأشار بيده إلى الجانب الأيمن، فبدأ بشقه الأيمن فحلقه ثم بشقه الأيسر، وقسم شعره فأعطى نصفه لأبي طلحة الأنصاري» : أي شعر نصف رأسه الأيسر «بعد أن قال: ههنا أبو طلحة» وقيل أعطاه لأم سليم زوج أبي طلحة رضي الله عنهما، وقيل لأبي كريب:
«وأعطى من نصفه الثاني» أي الذي هو الأيمن: «الشعرة والشعرتين للناس» .
وفي رواية:«ناول صلى الله عليه وسلم الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري قأعطاه إياه، ثم ناول الحلاق الشق الأيسر فحلقه وأعطاه أبا طلحة، وقال: اقسمه بين الناس» .
قال في النور: والحاصل أن الروايات اختلفت في مسلم. ففي بعضها أنه أعطاه الأيسر، وفي بعضها أنه أعطاه الأيمن. ورجح ابن القيم أن الذي اختص به أبو طلحة هو الشق الأيسر.