أقول: الذي في مسلم قال للحلاق: «ها وأشار بيده إلى جانبه الأيمن، فقسم شعره بين من يليه» وفي رواية: «فوزعه الشعرة والشعرتين، ثم أشار إلى الحلاق وإلى جانبه الأيسر فحلقه فأعطاه لأم سليم» وفي رواية «هال ههنا أبو طلحة» وفي لفظ: «أين أبا طلحة فدفعه إلى أبي طلحة» .
وفي رواية:«ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فحلقه وأعطاه أبا طلحة، فقال اقسم بين الناس» والجمع ممكن بين هذه الروايات، والله أعلم.
وعن بعضهم قال: شقت قلنسوة خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك وهو في الحرب فسقطت فطلبها طلبا حثيثا فعوقب في ذلك، فقال: إن فيها شيئا من شعر ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنها ما كانت معي في موقف إلا نصرت بها.
وعن أنس رضي الله عنه، قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد طاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل» .
ثم تطيب صلى الله عليه وسلم، طيبته عائشة رضي الله عنها بطيب فيه مسك قبل أن يطوف طواف الإفاضة، ويقال له طواف الركن، ويقال له طواف الصدر، والأشهر أن طواف الصدر طواف الوداع. وحلق بعض أصحابه وقصر بعض آخر. وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم «اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: والمقصرين، فأعاد صلى الله عليه وسلم: وأعادوا ثلاثا، وقال في الرابعة والمقصرين» .
والصحيح المشهور أنه قال ذلك في هذه الحجة التي هي حجة الوداع كما قال ذلك في الحديبية كما تقدم، وقيل لم يقله إلا في الحديبية، وبه جزم إمام الحرمين في النهاية. وقال النووي: ولا يبعد أن يكون وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الموضعين. قال في فتح الباري: بل هو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين، أي فإن في مسلم في حجة الوداع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال. وللمقصرين، ثم نهض صلى الله عليه وسلم راكبا إلى مكة فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة قبل الظهر وشرب من نبيذ السقاية» .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما:«مر النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة رضي الله عنه فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ» : أي من سقاية العباس رضي الله عنه، فإنهم كانوا يضعون في السقاية التمر والزبيب كما تقدم، فشرب صلى الله عليه وسلم وسقى فضله لأسامة رضي الله تعالى عنه، وقال: أحسنتم وأجملتم، كذا فاصنعوا. ثم شرب صلى الله عليه وسلم من ماء