من ذلك ولا كعائشة رضي الله تعالى عنها حتى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: انظري إلى شبهه، فقالت: ما أرى شيئا فقال: ألا تري إلى بياضه ولحمه، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول صلى الله عليه وسلم، أي وكانت قبل ذلك مولاة عمته صلى الله عليه وسلم صفية رضي الله تعالى عنها وهبتها له صلى الله عليه وسلم، وسلمى زوجة أبي رافع رضي الله تعالى عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لعمه العباس رضي الله تعالى عنه قبل ذلك، وهبه له صلى الله عليه وسلم واسمه إبراهيم وكان قبطيا.
وقيل غير ذلك، أعتقه صلى الله عليه وسلم لما أخبره بإسلام العباس، وزوّجه مولاته سلمى المذكورة. وقيل كان مولى لسعيد بن العاص، فورثه بنوه ثمانية فأعتقوه كلهم إلا ولده خالد فإنه لم يعتق نصيبه منه، فكلمه صلى الله عليه وسلم أن يعتق نصيبه أو يبيعه أو يهبه منه، فوهبه منه صلى الله عليه وسلم فأعتقه، قيل بعد أن سأله صلى الله عليه وسلم أبو رافع في ذلك، وبقي عقبة من أشراف المدينة.
وكان ولده عبد الله كاتبا وخازنا لعلي كرم الله وجهه أيام خلافته، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أن مارية قد ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره، فوهب له عبدا.
وروى أبو رافع رضي الله تعالى عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه واغتسل عند كل واحدة منهن غسلا» قال أبو رافع «فقلت له: يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا، قال: هذا أزكى وأطيب» وسمى صلى الله عليه وسلم ابنه يومئذ: أي يوم ولادته، وقيل سماه سابع ولادته، ودفعه لأم بردة خولة بنت المنذر بن زيد الأنصاري زوجة البراء بن أوس لترضعه، وأعطاها قطعة نخل، فكانت ترضعه في بني مازن وترجع به إلى المدينة، وكان صلى الله عليه وسلم ينطلق إليها فيدخل البيت ويأخذه فيقبله، ثم يرجع.
ولما احتضره جاء صلى الله عليه وسلم فوجده في حجر أمه، فأخذه صلى الله عليه وسلم في حجره وقال:«يا إبراهيم إنا لن نغني عنك من الله شيئا، ثم ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ونهانا عن الصياح. أي وفي لفظ: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» ولولا أنه وعد صادق وموعود جامع- فإن الآخر منا يتبع الأول- وجدنا عليك يا إبراهيم وجدا شديدا ما وجدناه، أي وفي لفظ:«ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وإنها سبيل مأتية لحزنا عليك حزنا شديدا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» وفي لفظ: «وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» .
وعن سيرين: لما نزل بإبراهيم الموت صرت كلما صحت أنا وأختي نهانا صلى الله عليه وسلم عن الصياح، أي ولما بكى صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما: «أنت أحق من علم الله حقه، قال: تدمع العين، وقال له صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: ولا ولكني نهيت عن صوتين