قال ابن بطال رحمه الله: إن هذا الرجل هو عيينة بن حصن، لأنه كان يقال له الأحمق المطاع، وهو صلى الله عليه وسلم إنما تطلق في وجهه تألفا له ليسلم قومه، لأنه كان المطاع فيهم. وأما ذمه صلى الله عليه وسلم له فلأنه يعلم ما يقع منه بعد، فإنه ارتد في زمن الصديق رضي الله عنه وحارب ثم رجع وأسلم.
أي وقد قيل إن سبب نزول قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف: الآية ٢٨] الآية أن عيينة هذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال له أسلم قال: على أن تبني لي مقصورة في مسجدك هذا أكون أنا وقومي فيها وتكون أنت معي.
ومن تأمل سيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله وأصحابه وغيرهم من الفقراء والأيتام والأرامل والضعفاء والمساكين علم أنه صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية في التواضع ورقة القلب ولين الجانب.
وعن أنس رضي الله عنه: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة يوما. فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أني أذهب، فخرجت على صبيان يلعبون في السوق، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض ثيابي من ورائي، فنظرت إليه صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك. فقلت نعم أنا أذهب يا رسول الله اه.
وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وأرجح الناس حلما، وأعظم الناس عفوا، وأسخى الناس كفا.
وكان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وقال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه وقد اضطروه إلى شجرة فخطفت رداؤه الشريف فوقف، ثم قال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم.
وفي رواية:«لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني كذوبا، ولا بخيلا، ولا جبانا» كما تقدم.
وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس قلبا، وأشد الناس بأسا وأشد الناس حياء. وكان أشد حياء من البنت البكر في خدرها أي بيتها وسترها، وكان إذا فرح، غض طرفه، وإذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض صوته، وربما غطى وجهه بيده أو ثوبه.
وكان يحب الفأل الحسن، ويغير الاسم القبيح بالحسن كما تقدم، وربما غير الحسن بالقبيح كما تقدم. وكان يقول لأصحابه: إذا أرسلتم لي رسولا فليكن حسن الاسم، حسن الوجه.
من ذلك أن شخصا كان سادنا: أي خادما الصنم، وكان يسمى غاوي بن ظالم. فبينما هو عند صنمه إذ أقبل ثعلبان إلى الصنم ورفع كل واحد منهما رجله