وبال على رأس ذلك الصنم، فلما رأى ذلك كسر ذلك الصنم وأنشد:
أربّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له كيف اسمك؟ فقال: غاوي بن ظالم. فقال صلى الله عليه وسلم له: بل أنت راشد بن عبد ربه.
ومن هذا السياق يعلم أن الثعلبان بفتح الثاء المثلثة مثنى ثعلب لا بضمها ذكر الثعالب كما قيل.
ومن تغيير الاسم القبيح بالحسن ما وقع له صلى الله عليه وسلم في غزوة ذي قرد أنه مر على ماء فسأل عنه، فقيل له: هذا اسمه بئسان وهو مالح. فقال: لا، بل اسمه نعمان وهو طيب، فانقلب عذبا. واشتراه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ثم تصدق به، فلما جاء إليه صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنت يا طلحة إلا فياض فسمي طلحة الفياض.
وكان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر. قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رجلا أكثر مشاورة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال: لا ومقلب القلوب، وربما قال في يمينه وأستغفر الله، وإذا اجتهد في اليمين قال: لا، والذي نفس أبي القاسم بيده، وربما قال:
والذي نفس محمد بيده، وربما قال في يمينه: لا، وأستغفر الله والذي نفسي بيده.
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس إغضاء عن العورات. وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه، ولم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا. بل يقول: ما بال أقوام يقولون أو يفعلون كذا.
لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة. ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال لبيك، يخالط أصحابه، ويحادثهم، ويداعب، أي يمازح صبيانهم، ويجلسهم في حجره الشريف.
أي فقد كان صلى الله عليه وسلم يصفّ أولاد عمه العباس عبد الله وعبيد الله وغيرهما رضي الله عنهم ويقول: من سبق إليّ فله كذا، فيستبقون إليه فيقاعدون على صدره الشريف فيقبلهم ويلتزمهم. ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويشهد الجنائز، ويقبل عذر المعتذر. ما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا له حتى يفرغ من حديثه ويذهب، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده صلى الله عليه وسلم منه حتى يكون الآخذ هو الذي يرسلها.
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادا