وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى خيرية الموت بأنه فرط، فخير صفة لا أفعل تفضيل حتى يشكل بأنه يقتضي أن حياتي خير لكم من مماتي ومماتي خير لكم من حياتي كما مر، ثم لا زال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس سبع عشرة صلاة، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤتما به ركعة ثانية من صلاة الصبح، ثم قضى الركعة الثانية: أي أتى بها منفردا.
وقال صلى الله عليه وسلم:«لم يقبض نبي حتى يؤمه رجل من قومه» أي وقد قال ذلك صلى الله عليه وسلم لما صلى خلف عبد الرحمن بن عوف كما تقدم في تبوك.
قال: وفي رواية عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة.
أي وأبو بكر في الصلاة. فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنب أبي بكر عن يساره. وفي رواية عن يمينه، وأنه صلى الله عليه وسلم دفع في ظهر أبي بكر وقال: صل بالناس أي ومنعه من التأخر، فجعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه يصلي قائما كبقية الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا انتهى.
وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم مقتديا بأبي بكر رضي الله تعالى عنه. وحينئذ لا يحسن التفريع على ذلك بما جاء في لفظ: فكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وفي لفظ: يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر، وهذا يدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم صلوا خلف أبي بكر وأبو بكر يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصار يسمع الصحابة التكبير، وقد بوب البخاري على ذلك:«باب من أسمع الناس تكبير الإمام» ، وقال بعد ذلك «باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم بالناس بالمأموم» فإن منعه صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه من التأخر مع صلاته على يسار أبي بكر أو على يمينه يدل على أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم بل استمر إماما، إذ لا يجوز عندنا أن يقتدي أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم مع تقدم أبي بكر عليه صلى الله عليه وسلم في الموقف. وحينئذ يخالف ذلك قول فقهائنا إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد اقتدائهم بأبي بكر، وجعلوه دليلا على جواز الصلاة بإمامين على التعاقب إذ لا يحسن ذلك إلا أن يكون أبو بكر رضي الله تعالى عنه تأخر ونوى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. إلا أن يقال يجوز أن تكون صلاته صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر تكررت، ففي مرة منعه صلى الله عليه وسلم من التأخر واقتدى به، وفي مرة تأخر أبو بكر رضي الله تعالى عنه عن موقفه، واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم، واقتدى الناس بالنبي بعد اقتدائهم بأبي بكر، وصار أبو بكر يسمع الناس التكبير، ولا ينافي ذلك قول البخاري الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، لجواز أن يكون المراد يقتدون ويتبعون