فرحا شديدا، ثم جلس صلى الله عليه وسلم في مصلاه يحدثهم حتى أضحى، ثم قام صلى الله عليه وسلم إلى بيته فلم يتفرق الناس من مجلسهم حتى سمعوا صياح الناس، وهبّ يقلب الماء ظنا أنه غشي عليه وابتدر المسلمون الباب فسبقهم العباس رضي الله تعالى عنه، فدخل وأغلق الباب دونهم. فلم يلبث أن خرج إليهم فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: يا عباس ما أدركت منه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أدركته وهو يقول: جلال ربي الرفيع، قد بلغت، ثم قضى، فكان هذا آخر شيء تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رأيته في الإمتاع نقل هذا القول الذي قدمته عن البيهقي.
وذكر في رواية أخرى: لم يزل أبو بكر رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس حتى كانت ليلة الاثنين، فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك وأصبح مفيقا، فعمد إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل وعلى غلام له يدعى ثوبان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقد شهد الناس مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه ركعة من صلاة الصبح، وقام ليأتي بالركعة الأخرى، فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ينفرجون له حتى قام إلى جنب أبي بكر رضي الله تعالى عنه فاستأخر أبو بكر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه وجلس صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ أبو بكر رضي الله تعالى عنه من صلاته أتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة. ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد فجلس إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية ثم قام صلى الله عليه وسلم فدخل إلى بيت عائشة، ودخل أبو بكر رضي الله تعالى عنه على عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال: الحمد لله قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم معافى، وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه، ثم ركب رضي الله تعالى عنه فلحق بأهله بالسنح، وانقلبت كل امرأة من نسائه صلى الله عليه وسلم إلى بيتها، فلما دخل صلى الله عليه وسلم اشتد عليه الوعك، فرجع إليه من كان ذهب من نسائه، وأخذ في الموت فصار يغمى عليه ثم يفيق ويشخص بصره إلى السماء، فيقول في الرفيق الأعلى الإله، وكان عنده صلى الله عليه وسلم وقد اشتدّ به الأمر قدح فيه ماء، وفي لفظ بدل قدح علباء وفي لفظ ركوة فيها ماء فلما اشتدّ عليه صلى الله عليه وسلم الأمر صار يدخل يده الشريفة في القدح ثم يمسح وجهه الشريف بالماء ويقول:«اللهم أعني على سكرات الموت» أي غمراته، وعن فاطمة رضي الله تعالى عنها:«صار صلى الله عليه وسلم لما يغشاه الكرب وتقول واكرب أبتاه يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم» .
أقول: وجاء: «أنه صلى الله عليه وسلم قال: واكرباه، وقال: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرة الموت» وفي رواية: «اللهم أعني على كرب الموت» والحكمة في ذلك، أي فيما شوهد من شدة ما لقي من الكرب عند الموت تسلية أمته صلى الله عليه وسلم إذا وقع لأحد منهم شيء من ذلك عند الموت. ومن ثم قالت عائشة