فلينته، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستن به وهو مستند إلى صدري. وكانت رضي الله تعالى عنها تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو في بيتي وبين سحري ونحري: أي والسحر: الرئة. وفي رواية: بين حاقنتي وذاقنتي، وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته. وفي رواية: فجمع الله بين رقي وريقه في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة.
وجاء أنهم لددوه صلى الله عليه وسلم في هذا المرض: أي سقوه لدودا من أحد جانبي فمه، وجعل يشير إليهم وهو صلى الله عليه وسلم مغمى عليه أن لا يفعلوا به وهم يظنون أن الحامل له ذلك كراهة المريض للدواء، فلما أفاق قال، ألم أنهكم أن تلدوني لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظره إلا العباس فإنه لم يشهدكم، وهذا رد عليهم، فإنه قد جاء أنهم قالوا له: عمك العباس أمر بذلك ولم يكن له في ذلك رأي، إنما قالوا ذلك تعللا وخوفا منه صلى الله عليه وسلم، قالوا وتخوفنا أن يكون ذات الجنب، فإن الخاصرة أي وهو عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه، كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذته ذلك اليوم فأغمي عليه حتى ظنوا أنه قد هلك فلددوه: أي لددته أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها، فلما أفاق وأراد أن يلدد من في البيت لدد جميع من في البيت حتى ميمونة رضي الله تعالى عنها وكانت صائمة، هذا.
وفي رواية أنه لما اشتد عليه صلى الله عليه وسلم المرض دخل عمه العباس رضي الله عنه وقد أغمي عليه، فقال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لو لددتنه. قلن إنا لا نجترىء على ذلك، فأخذ العباس يلدده، فأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من لدني، فقد أقسمت ليلددن إلا أن يكون العباس، فإنكم لددتموني وأنا صائم، قلن فإن العباس هو قد لدك، وقالت له أسماء بنت عميس رضي الله عنها، إنما فعلنا ذلك ظننا أن بك يا رسول الله ذات الجنب، فقال لها: إن ذلك لداء ما كان الله ليعذبني به. وفي رواية:«أنا أكرم على الله من أن يعذبني بها» وفي أخرى «إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطها عليّ» .
قال بعضهم: وهذا يدل على أنها من سيء الأسقام التي استعاذ صلى الله عليه وسلم منها بقوله:
«اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجذام وسيء الأسقام» .
وفي السيرة الهشامية: لما أغمي عليه صلى الله عليه وسلم اجتمع عليه نساء من نسائه منهم أم سلمة وميمونة، ومن نساء المؤمنين منهم أسماء بنت عميس، وعنده صلى الله عليه وسلم العباس عمه، واجتمعوا على أن فلددوه، فلما أفاق صلى الله عليه وسلم قال: من صنع هذا بي؟ قالوا يا رسول الله عمك، فقال عمه العباس رضي الله تعالى عنه: حسبنا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب، فقال: إن ذلك داء ما كان الله ليعذبني به، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي، فلدوا حتى ميمونة، وكانت رضي الله تعالى عنها صائمة عقوبة لهم بما صنعوا.