على أن العرب من عهد إبراهيم استمرت على دينه: أي من رفض عبادة الأصنام إلى زمن عمرو بن لحي، فهو أول من غير دين إبراهيم، وشرع للعرب الضلالات، فعبد الأصنام وسيب السائبة وبحر البحيرة.
وقيل أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع أذنيهما وحرم ألبانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رأيته في النار يخبطانه بأخفافهما، ويعضانه بأفواههما» .
وعمرو أول من وصل الوصيلة، وحمى الحامي، ونصب الأصنام حول الكعبة وأتى بهبل من أرض الجزيرة ونصبه في بطن الكعبة فكانت العرب تستقسم عنده بالأزلام على ما سيأتي. وأول من أدخل الشرك في التلبية، فإنه كان يلبي بتلبية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وهي «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» فعند ذلك تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه، فلما قال عمرو لبيك لا شريك لك، قال له ذلك الشيخ: إلا شريكا هو لك، فأنكر عمرو ذلك، فقال له ذلك الشيخ: تملكه وما ملك، وهذا لا بأس به، فقال ذلك عمرو، فتبعته العرب على ذلك: أي فيوحدونه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده، قال تعالى توبيخا لهم وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)[يوسف: الآية ١٠٦] وهو أول من أحل أيضا أكل الميتة، فإن كل القبائل من ولد إسمعيل لم تزل تحرم أكل الميتة حتى جاء عمرو بن لحي فزعم أن الله تعالى لا يرضى تحريم أكل الميتة، قال:
كيف لا تأكلون ما قتل الله وتأكلون ما قتلتم؟.
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا يجر قصبه في النار» وفي رواية «أمعاءه» أي وهي المراد بالقصب بضم القاف. وفي رواية «رأيته يؤذي أهل النار بريح قصبه» ويقال للأمعاء الأقتاب واحدها قتب بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية آخره باء موحدة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار» والاندلاق: الخروج بسرعة.
وقال صلى الله عليه وسلم لأكثم بن الجون الخزاعي واسمه عبد العزى وأكثم بالثاء المثلثة: وهو في اللغة واسع البطن «يا أكثم رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه من رجل منك به ولا بك منه، فقال أكثم: فعسى أن يضرني شبهه يا رسول الله، قال لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه أول من غير دين إسمعيل فنصب الأوثان» أي ودين إسماعيل هو دين إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فإن العرب من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام استمرت على دينه لم يغيره أحد إلى عهد عمرو المذكور كما تقدم. وفي كلام بعضهم أن أكثم هذا هو أبو معبد زوج أم معبد التي مرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الهجرة، وأكثم هذا هو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت