ووقع نظير ذلك لجبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه، وأنه رأى صورة أبي بكر آخذه بعقب تلك الصورة، وإذا صورة عمر آخذة بعقب صورة أبي بكر، فقال: من ذا الذي آخذ بعقبه؟ قلنا نعم هو ابن أبي قحافة، قال: فهل تعرف الذي آخذ بعقبه؟
قلت نعم هو عمر بن الخطاب. قال: أشهد أن هذا رسول الله، وأن هذا هو الخليفة بعده، وأن هذا هو الخليفة من بعد هذا.
ومنها ما حدّث به سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ بفتح الجيم وتشديد الياء: أي وفي لفظ: من قرية من قرى الأهواز يقال لها رامهرمز، وفي لفظ: ولدت برامهرمز وبها نشأت، وأما أبي فمن أصبهان، وكان أبي دهقان قريته: أي كبير أهل قريته: أي وفي لفظ:
كنت من أبناء أساوة فارس، وكنت أحب خلق الله تعالى إلى أبي، لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار بفتح القاف وكسر الطاء المهملة ويروى بفتحها بمعنى قاطن: أي خادمها الذي يوقدها، لا يتركها تخبأ: أي تطفأ ساعة. وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما فقال لي: يا بنيّ إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم، فاذهب إليها وأمرني فيها ببعض ما يريد، ثم قال لي: ولا تحتبس عني، إن احتبست عني كنت أهمّ إليّ من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري، فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون؟ فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: والله هذا خير من الذي نحن عليه، فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أهل هذا الدين؟ قالوا بالشام، فرجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بنيّ أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت: يا أبت مررت بالناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بنيّ ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، فقلت له: كلا، والله إنه لخير من ديننا، قال: فخافني أي خاف مني أن أهرب، فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته، وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم، فقدم عليهم تجار من النصارى فأخبروني، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة فأخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي، ثم قدمت معهم إلى الشام، فلما قدمتها قلت من أجلّ هذا الدين علما؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، والأسقف بتخفيف الفاء وتشديدها: هو عالم النصارى ورئيسهم في الدين، فجئته فقلت له: إني