للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك، فأخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك، قال: ادخل، فدخلت معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه أشياء منها اكتنزها لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات، فاجتمعت النصارى ليدفنوه. فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، فقالوا لي: وما أعلمك بذلك؟ فقلت: أنا أدلكم على كنزه، فأريتهم موضعه، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. وفي رواية: وجدوا ثلاثة قماقم فيها نحو نصف أردب فضة، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه ورموه بالحجارة: أي ولم يصلوا عليه صلاتهم مع أن هذا الراهب كان يصوم الدهر، وكان تقيا عن الشهوات. ومن ثم قال في الفتوحات المكية: أجمع أهل كل ملة على أن الزهد في الدنيا مطلوب. وقالوا:

إن الفراغ من الدنيا أحب لكل عاقل خوفا على نفسه من الفتنة التي حذرنا الله تعالى منها بقوله: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

[الأنفال: الآية ٢٨] هذا كلامه.

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه: ومن فوائد الرهبان أنهم لا يدّخرون قوت الغد، ولا يكنزون فضة ولا ذهبا.

قال: ورأيت شخصا قال لراهب: انظر لي هذا الدينار هو من ضرب أي الملوك؟ فلم يرض، وقال: النظر إلى الدنيا منهيّ عنه عندنا.

قال: ورأيت الرهبان مرة، وهم يسحبون شخصا ويخرجونه من الكنيسة، ويقولون له: أتلفت علينا الرهبان، فسألت عن ذلك، فقالوا رأوا على عاتقه نصفا مربوطا. فقلت لهم: ربط الدرهم مذموم؟ فقالوا: نعم عندنا وعند نبيكم صلى الله عليه وسلم، هذا كلامه.

وعند ذلك جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه: أي لا أظن أحدا غير المسلمين أفضل منه، ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه، فأحببته حبا شديدا لم أحبه شيئا قبله، فأقمت معه زمانا حتى حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصني؟ قال: أي بنيّ، والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فلما مات وغيب: أي دفن لحقت بصاحب الموصل فأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي، فقال: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبه، فأقمت مع خير رجل. فلما احتضر، قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق

<<  <  ج: ص:  >  >>