واعلم أن من حالات الوحي النفث: أي أنه كان ينفث في روعه الكلام نفثا قال صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس» أي المخلوق من الطهارة يعني جبريل «نفث» أي ألقى.
والنفث في الأصل: النفخ اللطيف الذي لا ريق معه «في روعي» بضم الراء: أي قلبي «أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» أي عاملوا بالجميل في طلبكم، وتتمته «ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله» أي كالكذب «فإن ما عند الله لن ينال إلا بطاعته» .
وفي كلام ابن عطاء الله: الإجمال في الطلب يحتمل وجوها كثيرة:
منها أن لا يطلبه مكبا عليه مشتغلا عن الله تعالى به. ومنها أن يطلبه من الله تعالى ولا يعين قدرا ولا وقتا، لأن من طلب وعين قدرا أو وقتا فقد تحكم على ربه وأحاطت الغفلة بقلبه. ومنها أن يطلب وهو شاكر لله إن أعطى، وشاهد حسن اختياره إذا منع.
ومنها أن يطلب من الله تعالى ما فيه رضاه، ولا يطلب ما فيه حظوظ دنياه.
ومنها أن يطلب ولا يستعجل الإجابة. وفي حديث ضعيف «اطلبوا الحوائج بعزة النفس، فإن الأمور تجري بالمقادير» .
ومن حالات الوحي أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس: وهي أشد الأحوال عليه صلى الله عليه وسلم: أي لما قيل إنه كان يأتيه في هذه الحالة بالوعيد والنذارة.
أقول: روى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها «أن الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه، وهو أخو أبي جهل لأبويه، وكان يضرب به المثل في السؤدد حتى قال الشاعر:
أحسبت أن أباك حين تسبني ... في المجد كان الحارث بن هشام
أولى قريش بالمكارم والندى ... في الجاهلية كان والإسلام
أسلم يوم الفتح، وسيأتي أنه استجار في ذلك اليوم بأم هانئ أخت علي بن أبي طالب وأراد عليّ قتله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» وحسن إسلامه، وشهد حنينا، وكان من المؤلفة كما سيأتي «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ أي حامله الذي هو جبريل، قال: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ، فيقصم. بالفاء- أي يقلع عني وقد وعيت ما قال» وفي رواية «يأتيني أحيانا له صلصلة كصلصلة الجرس، وأحيانا يتمثل لي الملك الذي هو حامل الوحي رجلا» أي يتصور بصورة الرجل. وفي رواية «في صورة الفتي، فيكلمني فأعي ما يقول» وروي أنه في الحالة الثانية ينفلت منه ما يعيه بخلاف الحالة الأولى.